في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِينَ} (153)

ولكن هذه اللمسات وهذه النداءات لا تصل إلى تلك القلوب الجاسية الجافية ، فلا تصغي لها ولا تلين :

( قالوا : إنما أنت من المسحرين . ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين ) . .

إنما أنت ممن سحرت عقولهم فهم يهرفون بما لا يعرفون ! كأنما الدعوة إلى الله لا يدعوها إلا مجنون !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِينَ} (153)

وقولهم { من المسحرين } فيه تأويلان : أحدهما مأخوذ من السَّحر بكسر السين أي قد سحرت فأنت لذلك مخبول لا تنطق بقويم ، والثاني أنه مأخوذ من السِّحر بفتح السين وهي الرئة وبسببها يقال انفتح سحره . وقيل السحر قصبة الرئة بما يتعلق بها من كبد وغيره ، أي أنت ابن آدم لا يصح أن تكون رسولاً عن الله ، وما بعده في الآية يقوي هذا التأويل{[8961]} ومن اللفظة قول لبيد : [ الطويل ]

فإن تسألينا فيم نحن فإننا . . . عصافير من هذا الأنام المسحر{[8962]}

ويقال للاغتداء التسحير ومنه قول امرىء القيس :

«ونسحر بالطعام وبالشراب »{[8963]} . . .


[8961]:وهو قوله تعالى: {ما أنت إلا بشر مثلنا}، ومن الغريب أن أبا حيان قال بعد ذكره هذا التأويل: "ويضعف هذا القول قولهم بعد: {ما أنت إلا بشر مثلنا}، إذ تكون هذه الجملة توكيدا لما قبلها، والأصل التأسيس".
[8962]:البيت من قصيدة له يذكر فيها من مات من قومه، ويتأمل سطوة الموت وضعف الإنسان أمامه، ومطلعها: أعاذل قومي فاعذلي الآن أو ذري فلست وإن أقصرت عني بمقصر وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن، قال : وكل من أكل من إنس أو دابة فهو مسحر، وذلك أن له سحرا يقري فيه ما أكل. وعصافير معناها: ضعاف.
[8963]:هذا عجز بيت، وهو مطلع قصيدة له، والبيت بتمامه: أرانا موضعين لأمر غيب ونسحر بالطعام وبالشراب وقد ذكره صاحب اللسان في مادة (سحر) شاهدا على أن السحر هو الغذاء، وموضعين: مسرعين، ولأمر غيب: للموت، ونسحر: نغذى، أو نلهى عن الموت بالطعام وبالشراب، ومن اللطيف أنه في البيت التالي يصف الناس بأنهم عصافير فيلتقي في ذلك بلبيد، قال: عصافير وذبان ودود وأجرأ من مجلحة الذئاب والمجلحة: هي المقدمة على الأمر إقداما شديدا، والهاجمة على الناس، فهم مع ضعفهم كأنهم العصافير أو الديدان يفعلون فعل الذئاب المجلحة.