( فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا . فلما جاوزا قال لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا . قال : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا . . ) . .
والأرجح كذلك أن هذا الحوت كان مشويا ، وأن إحياءه واتخاذه سبيله في البحر سربا كان آية من آيات الله لموسى ، يعرف بهما موعده ، بدليل عجب فتاه من اتخاذه سبيله في البحر ، ولو كان يعني أنه سقط منه فغاص في البحر ما كان في هذا عجب . ويرجح هذا الوجه أن الرحلة كلها مفاجآت غيبية . فهذه إحداها .
وقوله : { فَلَمَّا جَاوَزَا } أي : المكان الذي نسيا الحوت فيه ، ونُسب النسيان إليهما وإن كان يُوشَع هو الذي نسيه ، كقوله تعالى : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] ، وإنما يخرج من{[18316]} المالح في أحد القولين .
فلما ذهبا عن المكان الذي نسياه فيه مَرْحَلَةً { قَالَ } موسى { لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا [ نَصَبًا ] {[18317]} } أي : الذي جاوزا فيه المكان { نَصَبًا } يعني : تعبًا .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هََذَا نَصَباً } .
يقول تعالى ذكره : فلما جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين ، قال موسى لفتاه يوشع آتِنا غَدَاءَنا يقول : جئنا بغدائنا وأعطناه ، وقال : آتنا غداءنا ، كما يقال : أتى الغداء وأتيته ، مثل ذهب وأذهبته ، لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هَذَا نَصَبا يقول : لقد لقينا من سفرنا هذا عناء وتعبا وقال ذلك موسى ، فيما ذُكر ، بعد ما جاوز الصخرة ، حين ألقي عليه الجوع ليتذكر الحوت ، ويرجع إلى موضع مطلبه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فلما جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين، قال موسى لفتاه يوشع "آتِنا غَدَاءَنا "يقول: جئنا بغدائنا وأعطناه...
" لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هَذَا نَصَبا" يقول: لقد لقينا من سفرنا هذا عناء وتعبا، وقال ذلك موسى، فيما ذُكر، بعد ما جاوز الصخرة، حين ألقي عليه الجوع ليتذكر الحوت، ويرجع إلى موضع مطلبه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فلما جاوزا} يعني مكانه قال لفتاه: {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فيه دلالة أن لا بأس للرجل إذا أصابته مشقة وجهد أن يذكر أصابني كذا، وللمريض (أن) يقول: بي من المرض كذا، ولا يخرج ذلك مُخرج الشكوى والجزع من الله حين قال موسى عليه السلام: {ولقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} تعبا وجهدا...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
كان موسى في هذا السَّفرِ مُتَحَمِّلاً، فقد كان سَفَر تأديبٍ واحتمالٍ مَشقّةٍ، لأنه ذهب لاستكثار العلم. وحالُ طلبِ العلم حالُ تأديبٍ ووقتُ تَحمُّلٍ للمشقة، ولهذا لَحِقَهُ الجوعُ، فقال: {لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً}...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مِن سَفَرِنَا هذا} إشارة إلى مسيرهما وراء الصخرة. فإن قلت: كيف نسي يوشع ذلك، ومثله لا ينسى لكونه أمارة لهما على الطلبة التي تناهضا من أجلها لكونه معجزتين ثنتين: وهما حياة السمكة المملوحة المأكول منها -وقيل: ما كانت إلاّ شق سمكة- وقياء الماء وانتصابه مثل الطاق ونفوذها في مثل السرب منه؟ ثم كيف استمرّ به النسيان حتى خلفا الموعد وسارا مسيرة ليلة إلى ظهر الغد، وحتى طلب موسى عليه السلام الحوت؟ قلت: قد شغله الشيطان بوساوسه فذهب بفكره كل مذهب حتى اعتراه النسيان وانضم إلى ذلك أنه ضري بمشاهدة أمثاله عند موسى عليه السلام من العجائب، واستأنس بإخوانه فأعان الإلف على قلة الاهتمام.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فلما جاوزا} أي موسى وفتاه عليهما السلام ذلك الموضع من المجمع تعب، ولم يتعب حتى جاوز المكان الذي أمر به معجزةً أخرى، فلما جاع وتعب {قال لفتاه ءاتنا} أي أحضر لنا {غداءنا} أي لنتقوى به على ما حصل لنا من الإعياء، ولذلك وصل به قوله تعالى: {لقد لقينا من سفرنا} أي الذي سافرناه في هذا اليوم خاصة، ولذلك أشار إليه بأداة القرب فقال تعالى: {هذا نصباً} وكان الحوت زادهم فلم يكن معه...
أي: جاوزا في سيرهما مجمع البحرين ومكان الموعد، قال موسى عليه السلام لفتاه: أحضر لنا الغداء فقد تعبنا من السفر، والنصب: هو التعب.
فمعنى ذلك أنهما سارا حتى مجمع البحرين، ثم استراحا، فلما جاوزا هذا المكان بدا عليهما الإرهاق والتعب؛ لذلك طلب موسى الطعام. وهنا تذكر الفتى ما كان من نسيان الحوت.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.