يقسم بالسماء المنسقة المحبوكة على أنهم في قول مختلف ، مضطرب لا قوام له ولا قرار ، ولا ثبات له ولا استقرار ، يصرف عنه من صرف ويبقى عليه من بقي ، فلا استقرار عليه ولا توافق ولا ثبات . بل الحيرة دائمة والقلق لا يزال . وكذلك الباطل دائما أرض مرجرجة مهتزة ؛ وتيه لا معالم فيه ولا نور ؛ وهو يتأرجح ولا يفيء إلى أصل ثابت ، ولا ميزان دقيق . ولا يجتمع عليه أهله إلا لينصرفوا ويتفرقوا بعد حين ؛ ويدب الخلاف بينهم والشقاق . .
ويتضح اضطرابهم واختلافهم وما هم فيه من الأمر المريج : حين يعرض في ظل السماء ذات الحبك المنسقة التركيب .
وجواب القسم : { إنكم لفي قول مختلف } أي متخالف متناقض في أمره تعالى حيث تقولون : إنه خالق السموات والأرض ؛ وتعبدون الأصنام من دونه . وفي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فتقولون تارة : مجنون ، وأخرى ساحر وفي أمر الحشر فتنكرونه تارة ، وتزعمون أخرى أن أصنامكم شفعاؤكم عند الله يوم القيامة . والنكتة في هذا القسم : تشبيه أقوالهم في اختلافها وتنافي مناحيها بطرائق السموات في تباعدها واختلاف هيئتها . { يؤفك عنه من أفك } يصرف – عن الإيمان بما كلفوا الإيمان به ، ومنه البعث والجزاء أو عن القرآن – من صرف الصرف الذي لا أشد منه ولا أعظم ؛ من الإفك ، وهو صرف الشيء عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه .
قوله تعالى : " إنكم لفي قول مختلف " هذا جواب القسم الذي هو " والسماء " أي إنكم يا أهل مكة " في قول مختلف " في محمد والقرآن فمن مصدق ومكذب . وقيل : نزلت في المقتسمين . وقيل : اختلافهم قولهم ساحر بل شاعر بل افتراه بل هو مجنون بل هو كاهن بل هو أساطير الأولين . وقيل : اختلافهم أن منهم من نفى الحشر ومنهم من شك فيه . وقيل : المراد عبدة الأوثان والأصنام يقرون بأن الله خالقهم ويعبدون غيره .
{ إنكم } يا معشر قريش { لفي قول } محيط بكم في أمر القرآن و-{[61322]} الآتي به وجميع أمر دينكم وغيره مما تريدون به إبطال الدين الحق { مختلف * } كاختلاف طرائق السماء التي لا تكاد تنتظم ، ولا يعرف أولها من آخرها ، واختلاف هذه الأشياء المقسم بها من أول السورة{[61323]} واختلاف غاياتها لكنه مع ذلك متدافع ، وإن كنتم تجتهدون في تزيينه وتقريبه للأفهام وتحسينه فإنه لا يكاد إذا عرضه الناقد على الفكر{[61324]} النافذ ينضبط بضابط ولا يرتبط برابط ، بل تارة تقولون : هذا شعر فيلزمكم وصفه بما تصفون به الشعر من الاتساق بالوزن المجرد والروي المتحد ، والعذوبة والرشاقة ، وتارة تقولون : هذا سحر فيلزمكم مع الإقرار بالعجز عنه-{[61325]} أنه لا حقائق له-{[61326]} والواقع{[61327]} أنه لا يتأمله ذو فهم إلا رأى حقائقه أثبت من الجبال ، وتارة تقولون : أضغاث أحلام ، فيلزمكم أنه لا ينضبط بضابط ، ولا يكون له مفهوم يحصل ، ولا يعجز أحد عن تلفيق مثله ، فقد أبطلتم قولكم : إنه شعر وإنه سحر .
وتارة تقولون : إنه كهانة فيلزمكم أن تعتقدوا منه ما تعتقدون في أقوال الكهان من الإخبار بالمغيبات وإظهار الخبء وفصل الحكم ، فأبطلتم وما مضى من قولكم أضغاث أحلام وسحر وشعر ، وتارة تقولون ، إنه جنون ، فقد نقضتم جميع أقوالكم الماضية وناديتم على أنفسكم بالمباهتة ، تقولون في الآتي به : إنه شاعر وساحر ومجنون وكاهن وكاذب ، وكل قول منها ينقض الآخر ، وأنتم تدعون أنكم أصدق الناس وأبعدهم عن عار الكذب ، وأنكم أعقل الناس وأنصفهم ، فقد تباعد أولاً ما بين أقوالكم ، ثم ما بينها وبين أفعالكم ، فكان اختلاف{[61328]} طرائق النجوم دالاًّ على مانع مختار تام العلم كامل القدرة ، وكذا اختلاف قولكم على هذا الوجه مع ما لكم من العقول دالّ على قاهر لكم على ذلك ، فهما آيتان في الآفاق وفي أنفسكم .
قوله : { إنكم لفي قول مختلف } وهذا جواب القسم . وهو أنكم { لفي قول مختلف } أي إنكم أيها الناس لفي قول مضطرب مختلف في رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليه من الحق . فأنتم بين مصدق ومكذب . وقيل : اختلفوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقوال . فقد قيل : إنه شاعر . وقيل : إنه ساحر وقيل : إنه كاهن . وقيل : إنه مجنون . وقيل : بل افتراه بل هو أساطير الأولين .