وبعد هذه الإشارة الكلية المجملة يبدأ في عرض نموذج من نماذج الذين كانوا من قبلهم ، وكانوا أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض . فأخذهم الله بذنوبهم . وهم فرعون وقارون وهامان . ومن معهم من المتجبرين الطغاة .
وتنقسم هذه الحلقة من قصة موسى - عليه السلام - إلى مواقف ومناظر ، تبدأ من موقف عرض الرسالة على فرعون وملئه . وتنتهي هنالك في الآخرة ، وهم يتحاجون في النار . وهي رحلة مديدة . ولكن السياق يختار " لقطات " معينة من هذه الرحلة ، هي التي تؤدي الغرض من هذه الحلقة في هذه السورة بالذات :
( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ، إلى فرعون وهامان وقارون ، فقالوا : ساحر كذاب ) . .
هذا هو موقف اللقاء الأول . موسى ومعه آيات الله ، ومعه الهيبة المستمدة من الحق الذي بيده . وفرعون وهامان وقارون . ومعهم باطلهم الزائف وقوتهم الظاهرة ومركزهم الذي يخافون عليه من مواجهة الحق ذي السلطان . . عندئذ لجأوا إلى الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق : ( فقالوا : ساحر كذاب ) . .
ساحر كذاب : يعنون موسى عليه السلام ، وفيه مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
24- { إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب } .
أرسلنا موسى إلى فرعون ملك مصر في تلك العهود ، ويقال إنّه منفتاح بن رمسيس الثاني ، وهامان وزير فرعون ، وقارون أغنى أهل زمانه ، فقال هؤلاء الملأ من قوم فرعون : إن موسى ساحر مخادع ، وما جاء بهذه الآيات والمعجزات إلا سحرا وتمويها على الناس بسحره ، كما أنه كذاب في ادعائه بأن الله أرسله إلى فرعون وقومه ، وقد خصّ هنا هؤلاء الثلاثة لأنهم رؤساء المكذبين لموسى ، وغيرهم تابع لهم .
وشأن الجبابرة الطغاة عدم الإصغاء إلى الحجة والمنطق ، واللجوء إلى المكابرة والعناد .
قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ( 23 ) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ( 24 ) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ ( 25 ) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ( 26 ) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } .
ذلك بيان من الله عن المستكبر الخاسر فرعون . هذا الطاغوت العاتي الذي طغى في البلاد وأكثر في الأرض الفساد وزعم لنفسه من الصفة المفتراة ما يزلزل القلوب لفظاعته وشدة إجرامه ونكره ؛ إذ ادعى لنفسه الإلهية . وذلكم غاية الطغيان والعتوِّ والكفران ، وأشنع ما يصخ الأسماع من شنيع الاجتراء والظلم .
يُبيّن الله حال هذا المتجبِّر العُتُلِّ الذي عتا عن أمر الله واستكبر عن دينه وكذَّب رسوله وآذى المؤمنين من بني إسرائيل أفظع إيذاء من غير ذنب ولا جريرة . وهو قوله سبحانه : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أرسل الله رسوله موسى عليه السلام بالآيات البينات من عنده إلى فرعون وهامان وقارون وجنودهم لهدايتهم وتبليغهم { وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ } وهو الحجة الظاهرة والمراد به هنا المعجزات الحسبة المنظورة التي لا ينكرها إلا مكابر جهول أو مستكبر غاشم .
فكذب بها فرعون وقومه الطغاة { فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } سموا الحجة الصادقة والمعجزة الباهرة سحرا وكذبا ، ورموا النبي وكليمه موسى بأنه ساحر كذاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.