لا يملك دفعه أحد أبدا . وإيقاع الآيتين والفاصلتين حاسم قاطع . يلقي في الحس أنه أمر داهم قاصم ، ليس منه واق ولا عاصم . وحين يصل هذا الإيقاع إلى الحس البشري بلا عائق فإنه يهزه ويضعضعه ويفعل به الأفاعيل . . قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبي حدثنا موسى بن داود ، عن صالح المري ، عن جعفر بن زيد العبدي قال : خرج عمر يعس بالمدينة ذات ليلة ، فمر بدار رجل من المسلمين ، فوافقه قائما يصلي ، فوقف يستمع قراءته فقرأ : ( والطور ) . . حتى بلغ : ( إن عذاب ربك لواقع ، ما له من دافع ) . . قال : قسم ورب الكعبة حق . فنزل عن حماره . واستند إلى حائط ، فمكث مليا ، ثم رجع إلى منزله ، فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه . رضي الله عنه .
وعمر - رضي الله عنه - سمع السورة قبل ذلك ، وقرأها ، وصلى بها ، فقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يصلي بها المغرب . وعمر يعلم . ويتأسى . ولكنها في تلك الليلة صادفت منه قلبا مكشوفا ، وحسا مفتوحا ، فنفذت إليه وفعلت به هذا الذي فعلت . حين وصلت إليه بثقلها وعنفها وحقيقتها اللدنية المباشرة ؛ التي تصل إلى القلوب في لحظات خاصة ، فتتخللها وتتعمقها ، في لمسة مباشرة كهذه اللمسة ، تلقى فيها القلب الآية من مصدرها الأول كما تلقاها قلب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأطاقها لأنه تهيأ لتلقيها . فأما غيره فيقع لهم شيء مما وقع لعمر - رضي الله عنه - حين تنفذ إليهم بقوة حقيقتها الأولى . .
لواقع : لنازل وكائن على شدّة .
7-8 : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ *مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } .
هذا هو جواب القسم ، فقد أقسم الله بالطور وما بعده على أن عذاب الله يوم القيامة واقع ونازل بالمكذبين ، ولا يجدون وسيلة لدفع هذا العذاب ، ولا يجدون منه مهربا ، وفي ذلك اليوم يختل نظام الكون ، فتنشق السماء على غلظها ، وتتعلق الملائكة بأطرافها .
قال تعالى : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلاِئكةُ تَنْزِيلاً* الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } . ( الفرقان : 25-26 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ما له} يعني العذاب {من دافع} في الآخرة يدفع عنهم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"مالَهُ مِنْ دَافِعٌ "يقول: ما لذلك العذاب الواقع بالكافرين من دافع يدفعه عنهم، فينقذهم منه إذا وقع.
وقد ذكرنا أن قوله {والطور... والبيت المعمور... والبحر المسجور} فيه دلالة على عدم الدافع فإن من يدفع عن نفسه عذابا قد يدفع بالتحصن بقلل الجبال ولجج البحار ولا ينفع ذلك بل الوصول إلى السقف المرفوع ودخول البيت المعمور لا يدفع.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{ما له من دافع} يدفعه، ووجه دلالة هذه الأمور المقسم بها على ذلك أنها أمور تدل على كمال قدرة الله تعالى وحكمته وصدق أخباره وضبطه أعمال العباد للمجازاة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
لا يملك دفعه أحد أبدا. وإيقاع الآيتين والفاصلتين حاسم قاطع. يلقي في الحس أنه أمر داهم قاصم، ليس منه واق ولا عاصم. وحين يصل هذا الإيقاع إلى الحس البشري بلا عائق فإنه يهزه ويضعضعه ويفعل به الأفاعيل.. قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبي حدثنا موسى بن داود، عن صالح المري، عن جعفر بن زيد العبدي قال: خرج عمر يعس بالمدينة ذات ليلة، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائما يصلي، فوقف يستمع قراءته فقرأ: (والطور).. حتى بلغ: (إن عذاب ربك لواقع، ما له من دافع).. قال: قسم ورب الكعبة حق. فنزل عن حماره. واستند إلى حائط، فمكث مليا، ثم رجع إلى منزله، فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه. رضي الله عنه.
وعمر -رضي الله عنه- سمع السورة قبل ذلك، وقرأها، وصلى بها، فقد كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يصلي بها المغرب. وعمر يعلم. ويتأسى. ولكنها في تلك الليلة صادفت منه قلبا مكشوفا، وحسا مفتوحا، فنفذت إليه وفعلت به هذا الذي فعلت. حين وصلت إليه بثقلها وعنفها وحقيقتها اللدنية المباشرة؛ التي تصل إلى القلوب في لحظات خاصة، فتتخللها وتتعمقها، في لمسة مباشرة كهذه اللمسة، تلقى فيها القلب الآية من مصدرها الأول كما تلقاها قلب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فأطاقها لأنه تهيأ لتلقيها. فأما غيره فيقع لهم شيء مما وقع لعمر -رضي الله عنه- حين تنفذ إليهم بقوة حقيقتها الأولى..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والدفع: إبعاد الشيء عن شيء باليد، وأطلق هنا على الوقاية مجازاً بعلاقة الإِطلاق ألا يقيهم من عذاب الله أحد بشفاعة أو معارضة. وزيدت {من} في النفي لتحقيق عموم النفي وشموله، أي نفي جنس الدافع.
قوله تعالى : " إن عذاب ربك لواقع " هذا جواب القسم ، أي واقع بالمشركين . قال جبير بن مطعم : قدمت المدينة لأسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر ، فوافيته يقرأ في صلاة المغرب " والطور " إلى قوله : " إن عذاب ربك لواقع . ما له من دافع " فكأنما صدع قلبي ، فأسلمت خوفا من نزول العذاب ، وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب . وقال هشام بن حسان : انطلقت أنا ومالك بن دينار إلى الحسن وعنده رجل يقرأ " والطور " حتى بلغ " إن عذاب ربك لواقع . ماله من دافع " فبكى الحسن وبكى أصحابه ، فجعل مالك يضطرب حتى غشي عليه . ولما ولي بكار القضاء جاء إليه رجلان يختصمان فتوجهت على أحدهما اليمين ، فرغب إلى الصلح بينهما ، وأنه يعطي خصمه من عنده عوضا من يمينه فأبى إلا اليمين ، فأحلفه بأول " والطور " إلى أن قال له : قل " إن عذاب ربك لواقع " إن كنت{[14286]} كاذبا ، فقالها فخرج فكسر من حينه .