في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلنَّـٰشِرَٰتِ نَشۡرٗا} (3)

والمرسلات عرفا . فالعاصفات عصفا . والناشرات نشرا . فالفارقات فرقا . فالملقيات ذكرا : عذرا أو نذرا . . إن ما توعدون لواقع . .

القضية قضية القيامة التي كان يعسر على المشركين تصور وقوعها ؛ والتي أكدها لهم القرآن الكريم بشتى الموكدات في مواضع منه شتى . وكانت عنايته بتقرير هذه القضية في عقولهم ، ، وإقرار حقيقتها في قلوبهم مسألة ضرورة لا بد منها لبناء العقيدة في نفوسهم على أصولها ، ثم لتصحيح موازين القيم في حياتهم جميعا . فالاعتقاد باليوم الآخر هو حجر الأساس في العقيدة السماوية ، كما أنه حجر الأساس في تصور الحياة الإنسانية . وإليه مرد كل شيء في هذه الحياة ، وتصحيح الموازين والقيم في كل شأن من شؤونها جميعا . . ومن ثم اقتضت هذا الجهد الطويل الثابت لتقريرها في القلوب والعقول .

والله سبحانه يقسم في مطلع هذه السورة على أن هذا الوعد بالآخرة واقع . وصيغة القسم توحي ابتداء بأن ما يقسم الله به هو من مجاهيل الغيب ، وقواه المكنونة ، المؤثرة في هذا الكون وفي حياة البشر . وقد اختلف السلف في حقيقة مدلولها . فقال بعضهم : هي الرياح إطلاقا . وقال بعضهم هي الملائكة إطلاقا . وقال بعضهم : إن بعضها يعني الرياح وبعضها يعني الملائكة . . مما يدل على غموض هذه الألفاظ ومدلولاتها . وهذا الغموض هو أنسب شيء للقسم بها على الأمر الغيبي المكنون في علم الله . وأنه واقع كما أن هذه المدلولات المغيبة واقعة ومؤثرة في حياة البشر .

( والمرسلات عرفا ) . . عن أبي هريرة أنها الملائكة . وروي مثل هذا عن مسروق وأبي الضحى ومجاهد في إحدى الروايات ، والسدي والربيع بن أنس ، وأبي صالح في رواية [ والمعنى حينئذ هو القسم بالملائكة المرسلة أرسالا متوالية ، كأنها عرف الفرس في إرسالها وتتابعها ] .

وهكذا قال أبو صالح في العاصفات والناشرات والفارقات والملقيات . . إنها الملائكة .

وروي عن ابن مسعود . . المرسلات عرفا . قال : الريح . [ والمعنى على هذا أنها المرسلة متوالية كعرف الفرس في امتدادها وتتابعها ] وكذا قال في العاصفات عصفا والناشرات نشرا . وكذلك قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح في رواية .

وتوقف ابن جرير في المرسلات عرفا هل هي الملائكة أو الرياح . وقطع بأن العاصفات هي الرياح . وكذلك الناشرات التي تنشر السحاب في آفاق السماء .

وعن ابن مسعود : ( فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا ، عذرا أو نذرا )يعني الملائكة . وكذا قال : ابن عباس ومسروق ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس والسدي والثوري بلا خلاف . فإنها تنزل بأمر الله على الرسل ، تفرق بين الحق والباطل . وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار .

ونحن نلمح أن التهويل بالتجهيل ملحوظ في هذه الأمور المقسم بها كالشأن في الذاريات ذروا . وفي النازعات غرقا . . وأن هذا الخلاف في شأنها دليل على إبهامها . وأن هذا الإبهام عنصر أصيل فيها في موضعها هذا . وأن الإيحاء المجمل في التلويح بها هو أظهر شيء في هذا المقام . وأنها هي بذاتها تحدث هزة شعورية بإيحاء جرسها وتتابع إيقاعها ، والظلال المباشرة التي تلقيها . وهذه الانتفاضة والهزة اللتان تحدثهما في النفس هما أليق شيء بموضوع السورة واتجاهها . . وكل مقطع من مقاطع السورة بعد ذلك هو هزة ، كالذي يمسك بخناق أحد فيهزه هزا ، وهو يستجوبه عن ذنب ، أو عن آية ظاهرة ينكرها ، ثم يطلقه على الوعيد والتهديد : ( ويل يومئذ للمكذبين ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلنَّـٰشِرَٰتِ نَشۡرٗا} (3)

القسم ومشاهد القيامة

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والمرسلات عرفا 1 فالعاصفات عصفا 2 والنّاشرات نشرا 3 فالفارقات فرقا 4 فالملقيات ذكرا 5 عذرا أو نذرا 6 إنما ما توعدون لواقع 7 فإذا النجوم طمست 8 وإإذا السماء فرجت 9 وإذا الجبال نسفت 10 وإذا الرسل أقّتت 11 لأيّ يوم أجّلت 12 ليوم الفصل 13 وما أرداك ما يوم الفصل 14 ويل يومئذ للمكذبين 15 }

المفردات :

المرسلات : الملائكة الذين أرسلهم الله لإيصال النعمة إلى قوم ، والنقمة إلى آخرين ، وقيل : الريح .

عرفا : متتابعة بعضها في إثر بعض كعرف الديك ، وقيل : عرفا للمعروف والإحسان .

فالعاصفات : الريح الشديدة ، أو المبعدات للباطل .

الناشرات نشرا : الملائكة الناشرات لأجنحتها ، عند نزولها إلى الأرض .

1

التفسير :

1 ، 2 ، 3- والمرسلات عرفا* فالعاصفات عصفا* والنّاشرات نشرا .

تعدّدت الآراء في المراد بالقسم في صدر سورة المرسلات ، وأهم الآراء أربعة :

الأول : الرياح .

الثاني : الملائكة .

الثالث : طوائف الأنبياء الذين أرسلوا بالوحي المحقق لكل خير .

الرابع : أقسم في الآيات الثلاث الأولى الرياح ، وفي الآيات التالية بالملائكة .

والمعنى على أن المقصود بالآيات الثلاث الأولى الرياح كالآتي :

أقسم بالرياح المرسلة متتابعة كعرف الفرس ، إذا ذهبت شيئا فشيئا ، وبالرياح التي ترسل عاصفة لما أمرت به من نعمة ونقمة .

قال تعالى : ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها . . . ( الأنبياء : 81 ) .

كما ترسل الريح للعذاب ، قال تعالى : فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا . . . ( فصلت : 16 ) .

والنّاشرات نشرا .

وأقسم بالرياح التي تنشر السحاب ، وتفرّقه في آفاق السماء ، كما يشاء الرب عز وجل .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلنَّـٰشِرَٰتِ نَشۡرٗا} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

وهي أعمال بني آدم تنشر يوم القيامة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛

فقال بعضهم: عُني بالناشرات نَشْرا: الريح.

وقال آخرون: بل هي الملائكة التي تنشُر الكتب..

وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالناشرات نشرا، ولم يَخْصُص شيئا من ذلك دون شيء، فالريح تنشر السحاب، والمطر ينشر الأرض، والملائكة تنشر الكتب، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فذلك على كل ما كان ناشرا.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

النشر: حقيقته ضد الطي ويكثر استعماله مجازاً في الإِظهار والإِيضاح وفي الإِخراج.

ف {الناشرات} إذا جعل وصفاً للملائكة جاز أن يكون نشرَهم الوحي، أي تكرير نزولهم لذلك، وأن يكون النشر كناية عن الوضوح، أي بالشرائع البينة.

وإذا جعل وصفاً للرياح فهو نشر السحاب في الأجواء فيكون عطفه بالواو دون الفاء لتنبيه على أنه معطوف على {المرسلات} لا على {العاصفات}؛ لأن العصف حالة مضرة والنشر حالة نفع.

والقول في تأكيد {نشراً} وتنوينه كالقولِ في {عَصْفاً}.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلنَّـٰشِرَٰتِ نَشۡرٗا} (3)

ولما كان نشر الرياح للسحاب متراخياً عن هبوبها ومتباطئاً في الثوران وكذا نشر الملائكة لأجنحتها كما يفعل الطائر القوي في طيرانه ، عطف بالواو الصالحة للمعية والتعقب بمهلة وغيرها قوله : { والناشرات } أي للسحاب والأجنحة على وجه اللين في الجو وللشرائع التي تنشر العدل بين الناس { نشراً * } وإذا راجعت أول الذاريات ازددت في هذا بصيرة .

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{وَٱلنَّـٰشِرَٰتِ نَشۡرٗا} (3)

{ والناشرات نشرا }

{ والناشرات نشراً } الرياح تنشر المطر .