ولكن الصبر شاق ، ولا بد من الزاد والمدد المعين :
( واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ، ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا ) .
هذا هو الزاد . اذكر اسم ربك في الصباح والمساء ، واسجد له بالليل وسبحه طويلا . . إنه الاتصال بالمصدر الذي نزل عليك القرآن ، وكلفك الدعوة ، هو ينبوع القوة ومصدر الزاد والمدد . . الاتصال به ذكرا وعبادة ودعاء وتسبيحا . . ليلا طويلا . . فالطريق طويل ، والعبء ثقيل . ولا بد من الزاد الكثير والمدد الكبير . وهو هناك ، حيث يلتقي العبد بربه في خلوة وفي نجاء ، وفي تطلع وفي أنس ، تفيض منه الراحة على التعب والضنى ، وتفيض منه القوة على الضعف والقلة . وحيث تنفض الروح عنها صغائر المشاعر والشواغل ، وترى عظمة التكليف ، وضخامة الأمانة . فتستصغر ما لاقت وما تلاقي من أشواك الطريق !
إن الله رحيم ، كلف عبده الدعوة ، ونزل عليه القرآن ، وعرف متاعب العبء ، وأشواك الطريق . فلم يدع نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] بلا عون أو مدد . وهذا هو المدد الذي يعلم - سبحانه - أنه هو الزاد الحقيقي الصالح لهذه الرحلة المضنية في ذلك الطريق الشائك . . وهو هو زاد أصحاب الدعوة إلى الله في كل أرض وفي كل جيل . فهي دعوة واحدة . ملابساتها واحدة . وموقف الباطل منها واحد ، وأسباب هذا الموقف واحدة . ووسائل الباطل هي ذاتها وسائله . فلتكن وسائل الحق هي الوسائل التي علم الله أنها وسائل هذا الطريق .
والحقيقة التي ينبغي أن يعيش فيها أصحاب الدعوة إلى الله هي هذه الحقيقة التي لقنها الله لصاحب الدعوة الأولى [ صلى الله عليه وسلم ] هي أن التكليف بهذه الدعوة تنزل من عند الله . فهو صاحبها . وأن الحق الذي تنزلت به لا يمكن مزجه بالباطل الذي يدعو إليه الآثمون الكفار . فلا سبيل إلى التعاون بين حقها وباطلهم ، أو الالتقاء في منتصف الطريق بين القائم على الحق والقائمين على الباطل . فهما نهجان مختلفان ، وطريقان لا يلتقيان . فأما حين يغلب الباطل بقوته وجمعه على قلة المؤمنين وضعفهم ، لحكمة يراها الله . . فالصبر حتى يأتي الله بحكمه . والاستمداد من الله والاستعانة بالدعاء والتسبيح - ليلا طويلا - هي الزاد المضمون لهذا الطريق . .
. . إنها حقيقة كبيرة لا بد أن يدركها ويعيش فيها رواد هذا الطريق . .
أصيلا : هو الوقت من العصر إلى المغرب ، أي أول النهار وآخره ، والمراد بذلك جميع الأوقات .
7- واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا .
البكرة أول النهار ، والأصيل من العصر إلى المغرب ، وذكر الله يحتاج إلى استحضار القلب في مناجاته والتعبد بذكره ، والمؤمن يذكر الله أول النهار متحدثا بفضله ، طالبا منه المعونة والبركة والتوفيق ، ويذكر الله في آخر النهار التماسا لفضله ومغفرته وبركته وهدايته .
ويراد بالبكرة والأصيل أيضا طول النهار .
قال المفسرون : صل وأكثر من عبادته وطاعته في أول النهار وآخره ، في الصباح والمساء .
ولما نهى عن طاعتهما القاطعة عن الله ، أمر بملازمة{[70747]} الموصل إلى الله وهو الذكر من غير عائق الذي هو دواء لما عساه يلحق{[70748]} من الأدواء لمجرد رؤية الآثم أو الكفور لأرباب القلوب الصافية ، والذكر مقدم على كل عبادة وإن وضع العباد لما كان طلباً للتوصل إلى نيل معرفة الله سبحانه ، وكان التصور بحسب الاسم أول مراتب التصور طبعاً بدأ به وضعاً ، وذلك لأن النفس تحب السفول لما لها من النقائص ، فاحتاجت إلى سبب مشوق لها إلى الأعلى فوضعت لها العبادات ، وأجلها العبادة المشفوعة بالفكر ، لأنه السبب الموصل إلى المقصود ولا تفيد العبادة بدونه فقال : { واذكر } أي بلسانك { اسم ربك } أي المحسن إليك {[70749]}بكل جميل{[70750]} { بكرة } عند قيامك من منامك الذي هو الموتة الصغرى وتذكرك أنه يحيي الموتى ويحشرهم جيمعاً { وأصيلاً * } عند انقراض نهارك وتذكرك انقراض دنياك وطي هذا العالم {[70751]}لأجل إيجاد{[70752]} يوم الفصل ، وفي ذكر{[70753]} الوقتين أيضاً إشارة إلى دوام الذكر ، وذكر اسمه لازم لذكره ، ويجوز أن يكون أمراً بالصلاة لأنها أفضل{[70754]} الأعمال البدنية لأنها أعظم الذكر لأنها ذكر اللسان{[70755]} والجنان والأركان فوظفت فيها أذكار لسانية وحركات وسكنات على هيئة مخصوصة من عادتها ألا تفعل إلا بين أيدي{[70756]} الملوك ، فكان تنبيها على وجود الصانع والاعتراف بإلهيته وتفرده أكثر فكانت{[70757]} {[70758]}أفضل ، فيكون{[70759]} هذا على هذا أمراً بصلاتي الصبح والعصر ، فإنه لم يكن أمر في أول الإسلام بغيرهما وبهما أمر من كان قبلنا ، وهما {[70760]}أفضل الصلوات{[70761]} وكانتا ركعتين ركعتين ، ويجوز أن يكون أمراً بصلاتي الصبح والظهر-{[70762]} والعصر فإن الأصيل يتناول وقتيهما لأنه مطلق العشي ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.