في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ} (13)

1

ثم ترتفع نبرة العتاب حتى لتبلغ حد الردع والزجر : ( كلا ! ) . . لا يكن ذلك أبدا . . وهو خطاب يسترعي النظر في هذا المقام .

ثم يبين حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها ، واستغناءها عن كل أحد . وعن كل سند وعنايتها فقط بمن يريدها لذاتها ، كائنا ما كان وضعه ووزنه في موازين الدنيا : ( إنها تذكرة . فمن شاء ذكره . في صحف مكرمة . مرفوعة مطهرة . بأيدي سفرة . كرام بررة . ) . . فهي كريمة في كل اعتبار . كريمة في صحفها ، المرفوعة المطهرة الموكل بها السفراء من الملأ الأعلى ينقلونها إلى المختارين في الأرض ليبلغوها . وهم كذلك كرام بررة . . فهي كريمة طاهرة في كل ما يتعلق بها ، وما يمسها من قريب أو من بعيد . وهي عزيزة لا يتصدى بها للمعرضين الذين يظهرون الاستغناء عنها ؛ فهي فقط لمن يعرف كرامتها ويطلب التطهر بها . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ} (13)

1

المفردات :

في صحف : منتسخة من اللوح المحفوظ .

مكرمة : شريفة عند الله .

مرفوعة : رفيعة القدر والمنزلة عنده تعالى .

مطهرة : منزهة عن أيدي الشياطين ، وعن النقص .

بأيدي سفرة : كتبه من الملائكة ينسخونها من اللوح المحفوظ .

كرام : أعزّاء على الله تعالى .

بررة : أتقياء مطيعين لله تعالى ، وهم الملائكة .

التفسير :

13 ، 14 ، 15 ، 16- في صحف مكرّمة* مرفوعة مطهّرة* بأيدي سفرة* كرام بررة .

إن آيات القرآن مثبتة في صحف منتسخة من اللوح المحفوظ ، مكرّمة عند الله جل وعلا ، لما فيها من العلم والحكمة ، ولنزولها من اللوح المحفوظ .

مرفوعة مطهّرة . رفيعة القدر عند الله لاشتمالها على أصول العقائد والآداب والأخلاق ، مطهّرة . منزهة عن النقص والضلالة ، ومحفوظة من عبث الشياطين والكفار لا ينالونها .

بأيدي سفرة . محمولة بأيدي سفرة ، أي : وسائط من الملائكة يسفرون بين الله ورسله ، لتبليغ الوحي الإلهي للرسل الكرام .

قال تعالى : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس . . . ( الحج : 75 ) .

وقال تعالى : نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين . ( الشعراء : 193 ، 194 ) .

كرام بررة .

مكرمين عند ربهم ، مطيعين له ، كرام على الله ، فيهم بر بالمؤمنين وعطف عليهم ، حيث إنهم يدعون الله أن يغفر للتائبين ، وأن يحفظهم من السيئات ، وأن يشملهم برحمته .

قال تعالى : بل عباد مكرمون . ( الأنبياء : 26 ) .

وقال سبحانه : لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . ( التحريم : 6 ) .

وقال عز شأنه : الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم* ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم* وقهم السيئات ومن اتق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم . ( غافر : 7-9 ) .

وتطلق السفرة على الملائكة لأنها تسفر بين الله وبين الرسل ، وكذلك تطلق على الرسل لأنها تحمل رسالة الله إلى الناس ، كلاهما يطلق عليه سفرة .

وقال ابن جرير الطبري :

والصحيح أن السفرة : الملائكة ، وهم السفرة بين الله تعالى وبين خلقه ، ومنه يقال : السفير ، أي : الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير .

أخرج الجماعة ( أحمد وأصحاب الكتب الستة ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه وهو عليه شاق ، له أجران )iii .

في ظلال القرآن

علّق صاحب الظلال بضع صفحات على صدر سورة عبس ، ذكر فيها أن الحق جل جلاله جعل هداية السماء عالية سامقة ، لا ينالها إلا من رغب فيها ، وقد استجابت نفس الرسول صلى الله عليه وسلم وانفعلت بهذا التوجيه ، واندفعت إلى قرار هذه الحقيقة في حياته كلها ، وفي حياة الجماعة المسلمة ، لقد كان الإسلام ميلادا جديدا للبشرية ، كميلاد الإنسان الأول .

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا الحادث يهش لابن أم مكتوم ويرعاه ، ويقول له كلما لقيه : ( أهلا بمن عاتبني فيه ربي ) ، وقد استخلفه مرتين بعد الهجرة على المدينة .

وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ، وجعل عمه حمزة ، ومولاه زيد بن حارثة أخوين ، وقد جعل زيدا أميرا في غزوة مؤتة ، وكان آخر أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمر أسامة بن زيد على جيش لغزو الروم ، يضم كثرة من المهاجرين والأنصار ، فيهم أبو بكر وعمر وزيراه وصاحباه ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( سلمان منّا أهل البيت )iv .

وأخرج الشيخان ، والترمذي ، عن أبي موسى قوله : قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ، وما نرى عبد الله بن مسعود وأمّه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من كثرة دخولهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولزومهما لهv .

واستمر الخلفاء على هذا الهدى ، فمشى أبو بكر الصديق- وهو خليفة- يودّع بنفسه أسامة بن زيد ، ويقول : وما علي أن اغبر قدمي في سبيل الله ساعة . ثم يقول لأسامة : إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل .

ثم تمضي عجلة الزمن ، فنرى عمر بن الخطاب يولّى عمار بن ياسر على الكوفة .

ويقول عمر : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا . يعني بلالا ، الذي كان مملوكا لأمية بن خلف ، واشتراه أبو بكر وأعتقه .

وقد كان عبد الله يذكر ويذكر معه مولاه عكرمة ، وكان عبد الله بن عمر يذكر ويذكر معه مولاه نافع .

وتمتّع كثير من الموالي بتولي الفتيا مثل : الحسن البصري بالبصرة ، ومجاهد بن جبر ، وعطاء بن رباح وغيرهم .

وظل ميزان السماء يرجح بأهل التقوى ولو تجردوا من قيم الأرض كلها ، في اعتبار أنفسهم ، وفي اعتبار الناس من حولهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ} (13)

ثم ذكر محل هذه التذكرة وعظمها ورفع قدرها ، فقال : { فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ} (13)

ثم أخبر عن جلالته عنده فقال :{ في صحف مكرمة } يعني اللوح المحفوظ . وقيل : كتب الأنبياء دليله قوله تعالى : { إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى }( الأعلى- 18 ، 19 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ} (13)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"فِي صُحُفٍ مُكَرّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهّرَةٍ" يعني في اللوح المحفوظ، وهو المرفوع المطهّر عند الله.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{في صحف} أي بأيدي الملائكة، وقوله: {مكرمة} أي بما يكرمها أهل الكرامة، وهم السفرة البررة، أو مكرمة على الله تعالى...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: مكرمة عند الله، قاله السدي.

الثاني: مكرمة في الدين لما فيها من الحكم والعلم، قاله الطبري.

الثالث: لأنه نزل بها كرام الحفظة.

ويحتمل قولاً رابعاً: أنها نزلت من كريم، لأن كرامة الكتاب من كرامة صاحبه...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

أي معظمة مبجلة، ووصفت الصحف بأنها مكرمة تعظيما لما تضمنته على الحكمة...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أي تلك التذكرة معدة في هذه الصحف المكرمة، والمراد من ذلك تعظيم حال القرآن والتنويه بذكره والمعنى أن هذه التذكرة مثبتة في صحف، والمراد من الصحف... أنها صحف منتسخة من اللوح مكرمة عند الله تعالى مرفوعة في السماء السابعة. أو مرفوعة المقدار مطهرة عن أيدي الشياطين.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 11]

ثم ترتفع نبرة العتاب حتى لتبلغ حد الردع والزجر: (كلا!).. لا يكن ذلك أبدا.. وهو خطاب يسترعي النظر في هذا المقام.

ثم يبين حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها، واستغناءها عن كل أحد. وعن كل سند وعنايتها فقط بمن يريدها لذاتها، كائنا ما كان وضعه ووزنه في موازين الدنيا: (إنها تذكرة. فمن شاء ذكره. في صحف مكرمة. مرفوعة مطهرة. بأيدي سفرة. كرام بررة.).. فهي كريمة في كل اعتبار. كريمة في صحفها، المرفوعة المطهرة الموكل بها السفراء من الملأ الأعلى ينقلونها إلى المختارين في الأرض ليبلغوها. وهم كذلك كرام بررة.. فهي كريمة طاهرة في كل ما يتعلق بها، وما يمسها من قريب أو من بعيد. وهي عزيزة لا يتصدى بها للمعرضين الذين يظهرون الاستغناء عنها؛ فهي فقط لمن يعرف كرامتها ويطلب التطهر بها..

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

صحف: الجمهور على أن الكلمة تعني الفصول القرآنية التي كانت توحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم...

وواضح أن تعبير الصحف على التأويل المتقدم الذي عليه الجمهور هو هنا تعبير مجازي؛ لأن الوحي الرباني لم يكن يحمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا مكتوبا في صحف، وإنما كان يلقى ما يحمله من وحي رباني عليه إلقاء. ولعل في التعبير تلقيا وجوب تدوين ما يلقيه الوحي في الصحف أو إشارة إلى مصيره إلى ذلك. والمأثور المتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتدوين ما كان ينزل به الوحي من فصول القرآن في صحف في حين نزوله حيث يكون قد لمح ذلك التلقين وعمل به. وفي الآيات تلقين مستمر المدى بما يجب للمدونات القرآنية من التكريم والطهارة وحرمة الشأن والرفعة...

الشعراوي-1419هـ:

فما دامت هذه التذكرة للتذكير بشيء، هو أصل ما انطبع في الفطرة البشرية، والفطرة البشرية مطبوعة على التوحيد منذ العهد الذي أخذ منهم وهم في ظهر أبيهم آدم كالذر... فالذي ينقض عهد الذر والفطرة السليمة هذه شيئان: الغفلة، وتقليد الآباء، أي البيئة التي يتربى فيها أولئك الأبناء.

فالتذكرة لتنبيه الغافل والمقلد الأعمى، فإذا كان التذكير بعهد الفطرة يكون بالقرآن، فمنهج الإسلام يطمئننا بأن هذا النهج الذي هو القرآن الذي جاء ليذكرك بعهد الفطرة الأصيل، وينفض عنك الغفلة، وينفض عنك تقليد البيئة فيه مواصفات تجعلك تثق ثقة مطلقة بأنه لم يحدث فيه أي تغيير، وذلك بذاتيته، وبمكانه، وبكل ما يتصل به...

فالمذكر بعهد الفطرة له مواصفات متعددة، مكرم في ذاته، مرفوع في منزلته، مصون من أن تمسه أيدٍ ليست طاهرة، فالذي ينقله من الله إلى خلقه كرام بررة، فهذه مواصفات تجعلك تطمئن بأن المذكر لك بالعهد الأصيل أو ما يرجع إلى الفطرة موثوق فيه؛ لأنه جاءك كما هو.. كما صدر عن الله عز وجل، لم يحدث فيه تغيير، وهذه مسألة يؤكد عليها القرآن؛ لأن آفة الديانتين السابقتين للإسلام هو التغيير والتبديل في المنهج والكتاب، هذا التغيير والتبديل الذي أضاع المنهج من أصحابه بالتحريف تارة والتبديل أخرى والنسيان أيضاً، فقد لا يكون ذلك عن قصد، بل نسوا أشياء، وأما الذي لم ينسوه فقد كتموا بعضه، والذي لم يكتموه حرفوه ولووا ألسنتهم به، وليتهم اقتصروا على هذا الحد!! بل زادوا أشياء من عند أنفسهم ثم قالوا: هو من عند الله.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ} (13)

ولما كان التقدير : حال كون القرآن مثبتاً أو حال كون الذاكر{[71652]} له مثبتاً-{[71653]} ، قال واصفاً لتذكرة مبيناً لشرفها بتشريف ظرفها وظرف ظرفها { في صحف } أي أشياء يكتب فيها من الورق وغيره { مكرمة * } أي مكررة التكريم ومعظمته{[71654]} في السماء والأرض في كل أمة وكل-{[71655]} ملة


[71652]:من ظ و م، وفي الأصل: الذكر.
[71653]:زيد من ظ.
[71654]:من م، وفي الأصل و ظ: بعظمة.
[71655]:زيد من ظ و م.