في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِينَ} (153)

ولكن هذه اللمسات وهذه النداءات لا تصل إلى تلك القلوب الجاسية الجافية ، فلا تصغي لها ولا تلين :

( قالوا : إنما أنت من المسحرين . ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين ) . .

إنما أنت ممن سحرت عقولهم فهم يهرفون بما لا يعرفون ! كأنما الدعوة إلى الله لا يدعوها إلا مجنون !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِينَ} (153)

وقوله : إنّمَا أنْتَ منَ المُسَحّرِينَ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه إنما أنت من المسحورين . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد إنّمَا أنْتَ مِنَ المُسَحّرِينَ قال : من المسحورين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله إنّمَا أنْتَ مِنَ المُسَحّرِينَ قال : إنما أنت من المسحورين .

وقال آخرون : معناه : من المخلوقين . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبيد ، قال : حدثنا موسى بن عمرو ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، في قوله إنّمَا أنْتَ مِنَ المُسَحّرِينَ قال : من المخلوقين .

واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك ، فكان بعض أهل البصرة يقول : كلّ من أكل من إنس أو دابة فهو مسحّر ، وذلك لأن له سَحْرا يَقْرِي ما أكل فيه ، واستشهد على ذلك بقول لَبيد :

فإنْ تَسْأَلَينا فِيمَ نَحْنُ فإنّنا *** عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الأنامِ المُسَحّرِ

وقال بعض نحويّي الكوفيين نحو هذا ، غير أنه قال : أخذ من قولك : انتفخ سَحْرُك : أي أنك تأكل الطعام والشراب ، فتُسَحّر به وتُعَلّل . وقال : معنى قول لبيد : «من هذا الأنام المسحرّ » : من هذا الأنام المعّلل المخدوع . قال : ويُروى أن السّحْر من ذلك ، لأنه كالخديعة .

والصواب من القول في ذلك عندي : القول الذي ذكرته عن ابن عباس ، أن معناه : إنما أنت من المخلوقين الذين يُعْلّلون بالطعام والشراب مثلنا ، وليست ربا ولا ملكا فنطيعَك ، ونعلم أنك صادق فيما تقول . والمسحّر : المفعل من السحرة ، وهو الذي له سحرة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِينَ} (153)

موقع هذه الجملة استئناف تَعداد وتكرير كما تقدم في قوله : { كذبت عاد المرسلين } [ الشعراء : 123 ] . d والكلام على هذه الآيات مثلُ الكلام على نظيرها في قصة قوم نوح ، وثمود قد كذّبوا المرسلين لأنهم كذبوا صالحاً وكذبوا هوداً لأن صالحاً وعظهم بعاد في قوله : { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد } في سورة الأعراف ( 74 ) وبتكذيبهم كذبوا بنوح أيضاً ، لأن هوداً ذَكَّر قومه بمصير قوم نوح في آية { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح } [ الأعراف : 69 ] .

وتقدم ذكر ثمود وصالح عند قوله تعالى : { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } في سورة الأعراف ( 73 ) ، وكان صالح معروفاً بالأمانة لأنه لا يرسل رسول إلا وهو معروف بالفضائل { الله أعلم حيث يجعل رسالاته } [ الأنعام : 124 ] وقد دل على هذا المعنى قولهم { إنما أنت من المسحَّرين } [ الشعراء : 153 ] المقتضي تغيير حاله عما كان عليه وهو ما حكاه الله عن قومه { قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا } في سورة هود ( 62 ) . وحذف ياء المتكلم من { أطيعون } هو مثل نظائره المتقدمة آنفاً .

أجابوا موعظته بالبهتان فزعموه فقد رُشده وتغير حاله واختلقوا أن ذلك من أثر سِحر شديد . فالمسحَّر : اسم مفعول سَحَّره إذا سَحَره سحراً متمكناً منه ، و { من المسحَّرين } أبلغ في الاتصاف بالتسحير من أن يقال : إنما أنت مسحَّر كما تقدم في قوله : { لتكونَنَّ من المرجومين } [ الشعراء : 116 ] .