في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلَ فِرۡعَوۡنُ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ} (53)

10

وعلم فرعون بخروج بني إسرائيل خلسة ، فأمر بما يسمى " التعبئة العامة " وأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له الجنود ، ليدرك موسى وقومه ؛ ويفسد عليهم تدبيرهم ؛ وهو لا يعلم أنه تدبير صاحب التدبير !

وانطلق عملاء فرعون يجمعون الجند . . ولكن هذا الجمع قد يشي بانزعاج فرعون ، وبقوة موسى ومن معه وعظم خطرهم ، حتى ليحتاج الملك الإله - بزعمه ! - إلى التعبئة العامة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلَ فِرۡعَوۡنُ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ} (53)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * إِنّ هََؤُلآءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ * وَإِنّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فأرسل فرعون في المدائن يحشر له جنده وقومه ، ويقول لهم إنّ هَؤُلاءِ يعني بهؤلاء : بني إسرائيل لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ يعني بالشرذمة : الطائفة والعصبة الباقية من عصب جبيرة ، وشرذمة كل شيء : بقيته القليلة ومنه قول الراجز :

جاءَ الشّتاءُ وقَمِيصِي أخْلاقْ *** شَرَاذِمٌ يضْحَكُ مِنْهُ التّوّاقْ

وقيل : قليلون ، لأن كل جماعة منهم كان يلزمها معنى القلة فلما جمع جمع جماعاتهم قيل : قليلون ، كما قال الكُمَيت :

فَرّدّ قَوَاصِيَ الأَحْياءِ مِنْهُمْ *** فَقَدْ صَارُوا كَحَيّ وَاحديِنا

وذُكر أن الجماعة التي سَمّاها فرعون شرذمة قليلين ، كانوا ستّ مئة ألف وسبعين ألفا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عُبيدة إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِيلُونَ ، قال : كانوا ستّ مئة وسبعين ألفا .

قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عُبيدة ، عن عبد الله ، قال : الشرذمة : ستّ مئة ألف وسبعون ألفا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد ، قال : اجتمع يعقوب وولده إلى يوسف ، وهم اثنان وسبعون ، وخرجوا مع موسى وهم ستّ مئة ألف ، فقال فرعون إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِيلُونَ ، وخرج فرعون على فرس أدهم حصان على لون فرسه في عسكره ثمان مئة ألف .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد الجريري ، عن أبي السليل ، عن قيس بن عباد ، قال : وكان من أكثر الناس أو أحدث الناس عن بني إسرائيل ، قال : فحدّثنا أن الشرذمة الذين سماهم فرعون من بني إسرائيل كانوا ستّ مئة ألف ، قال : وكان مقدمة فرعون سبعة مئة ألف ، كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة ، وفي يده حربة ، وهو خلفهم في الدهم . فلما انتهى موسى ببني إسرائيل إلى البحر ، قالت بنو إسرائيل : يا موسى أين ما وعدتنا ، هذا البحر بين أيدينا ، وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا ، فقال موسى للبحر : انفلق أبا خالد ، قال : لا لن أنفلق لك يا موسى ، أنا أقدم منك خلقا قال : فنودي أنِ اضربْ بعصاك البحر ، فضربه ، فانفلق البحر ، وكانوا اثني عشر سبطا . قال الجريري : فأحسبه قال : إنه كان لكل سبط طريق ، قال : فلما انتهى أوّل جنود فرعون إلى البحر ، هابت الخيل اللهب قال : ومَثّل لحصان منها فرس وديق ، فوجد ريحها فاشتدّ ، فاتبعه الخيل قال : فلما تتامّ آخر جنود فرعون في البحر ، وخرج آخر بني إسرائيل ، أمر البحر فانصفق عليهم ، فقالت بنو إسرائيل : ما مات فرعون وما كان ليموت أبدا ، فسمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام ، قال : فرمى به على الساحل ، كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيل .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِيلُونَ يعني بني إسرائيل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِيلُونَ قال : هم يومئذ ستّ مئة ألف ، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله وأوْحَيْنا إلى مُوسَى أنْ أسْرِ بعِبادِي إنّكُمْ مُتّبَعُونَ قال : أوحى الله إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل ، كلّ أربعة أبيات في بيت ، ثم اذبحوا أولاد الضأن ، فاضربوا بدمائها على الأبواب ، فإني سآمر الملائكة أن لا تدخل بيتا على بابه دم ، وسآمرهم بقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم ، ثم اخبزوا خبزا فطيرا ، فإنه أسرع لكم ، ثم أسر بعبادي حتى تنتهي للبحر ، فيأتيك أمري ، ففعل فلما أصبحوا قال فرعون : هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأموالنا ، فأرسل في أثرهم ألف ألف وخمس مئة ألف وخمس مئة ملك مُسَوّر ، مع كل ملك ألف رجل ، وخرج فرعون في الكَرِش العظمى ، وقال إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِيلُونَ قال : قطعة ، وكانوا ستّ مئة ألف ، مئتا ألف منهم أبناء عشرين سنة إلى أربعين .

قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن حوشب ، عن ابن عباس ، قال : كان مع فرعون يومئذ ألف جبار ، كلهم عليه تاج ، وكلهم أمير على خيل .

قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : كانوا ثلاثين ملكا ساقة خلف فرعون يحسبون أنهم معهم وجبرائيل أمامهم ، يردّ أوائل الخيل على أواخرها ، فأتبعهم حتى انتهى إلى البحر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلَ فِرۡعَوۡنُ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ} (53)

{ فأرسل فرعون } حين آخر بسراهم . { في المدائن حاشرين } العساكر ليتبعوهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلَ فِرۡعَوۡنُ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ} (53)

ثم إن الله عز وجل لما أراد إظهار أمره في نجاة بني إسرائيل وغرق فرعون وقومه أمر موسى أن يخرج بني إسرائيل ليلاً من مصر ، وأخبر أنهم سيتبعون وأمره بالسير تجاه البحر ، وأمره بأن يستعير بنو إسرائيل حلي القبط وأموالهم وأن يستكثروا من أخذ أموالهم كيف ما استطاعوا هذا فيما رواه بعض المفسرين ، وأمره باتخاذ خبز الزاد ، فروي أنه أمر باتخاذه فطيراً لأنه أبقى وأثبت ، وروي أن الحركة أعجلتهم عن اختمار خبز الزاد ، وخرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل سحراً فترك الطريق إلى الشام على يساره وتوجه نحو البحر ، فكان الرجل من بني إسرائيل يقول له في ترك الطريق فيقول موسى هكذا أمرت ، فلما أصبح فرعون وعلم بسرى موسى ببني إسرائيل خرج في أثرهم وبعث إلى مدائن مصر لتلحقه العساكر ، فروي أنه لحقه ومعه ستمائة ألف أدهم من الخيل حاشى سائر الألوان ، وروي أن بني إسرائيل كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً قاله ابن عباس والله أعلم بصحته ، وإنما اللازم من الآية الذي يقطع به أن موسى عليه السلام خرج بجمع عظيم من بني إسرائيل وأن فرعون تبعه بأضعاف ذلك العدد ، قال ابن عباس كان مع فرعون ألف جبار كلهم عليه تاج وكلهم أمير خيل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلَ فِرۡعَوۡنُ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ} (53)

ظاهر ترتيب الجمل يقتضي أن الفاء للتعقيب على جملة : { وأوحينا إلى موسى } [ الشعراء : 52 ] وأن بين الجملتين محذوفاً تقديره : فأسرى موسى وخرج بهم فأرسل فرعون حَاشرين ، أي لما خرج بنو إسرائيل خشي فرعون أن ينتشروا في مدائن مصر فأرسل فرعون في المدائن شُرَطاً يحشرون الناس ليلْحقوا بني إسرائيل فيردُّوهم إلى المدينة قاعدة الملك .

و { المدائن } : جمع مدينة ، أي البلد العظيم . ومدائن القطر المصري يومئذ كثيرة . منها ( مانوفرى أو منفيس ) هي اليوم ميت رهينة بالجيزة و ( تيبة أو طيبة ) هي بالأقصر و ( أبودو ) وتسمى اليوم العَرابة المدفونة ، و ( ابو ) وهي ( بو ) وهي ادنو ، و ( اون رميسي ) ، و ( أرمنت ) و ( سنَى ) وهي أسناء و ( ساورت ) وهي السيوط ، و ( خمونو ) وهي الاشمونيين ، و ( بامازيت ) وهي البهنسا ، و ( خسوُو ) وهي سخا ، و ( كاريينا ) وهي سد أبي قيرة ، و ( سودو ) وهي الفيوم ، و ( كويتي ) وهي قفط .

والتعريف في { المدائن } للاستغراق ، أي في مدائن القطر المصري ، وهو استغراق عرفي ، أي المدائن التي لحكم فرعون أو المظنون وقوعها قرب طريقهم . وكان فرعون وقومه لا يعلمون أين اتجه بنو إسرائيل فأراد أن يتعرض لهم في كل طريق يظن مرورهم به . وكان لا يدري لعلهم توجهوا صوبَ الشام ، أو صوبَ الصحراء الغربية ، وما كان يظن أنهم يقصدون شاطىء البحر الأحمر بحر « القلزم » وكان يومئذ يسمى بحر « سُوف » .