في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ} (54)

10

ولا بد إذن من التهوين من شأن المؤمنين :

( إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) !

ففيم إذن ذلك الاهتمام بأمرهم ، والاحتشاد لهم وهم شرذمة قليلون !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ} (54)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * إِنّ هََؤُلآءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ * وَإِنّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فأرسل فرعون في المدائن يحشر له جنده وقومه ، ويقول لهم إنّ هَؤُلاءِ يعني بهؤلاء : بني إسرائيل لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ يعني بالشرذمة : الطائفة والعصبة الباقية من عصب جبيرة ، وشرذمة كل شيء : بقيته القليلة ومنه قول الراجز :

جاءَ الشّتاءُ وقَمِيصِي أخْلاقْ *** شَرَاذِمٌ يضْحَكُ مِنْهُ التّوّاقْ

وقيل : قليلون ، لأن كل جماعة منهم كان يلزمها معنى القلة فلما جمع جمع جماعاتهم قيل : قليلون ، كما قال الكُمَيت :

فَرّدّ قَوَاصِيَ الأَحْياءِ مِنْهُمْ *** فَقَدْ صَارُوا كَحَيّ وَاحديِنا

وذُكر أن الجماعة التي سَمّاها فرعون شرذمة قليلين ، كانوا ستّ مئة ألف وسبعين ألفا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عُبيدة إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِيلُونَ ، قال : كانوا ستّ مئة وسبعين ألفا .

قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عُبيدة ، عن عبد الله ، قال : الشرذمة : ستّ مئة ألف وسبعون ألفا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد ، قال : اجتمع يعقوب وولده إلى يوسف ، وهم اثنان وسبعون ، وخرجوا مع موسى وهم ستّ مئة ألف ، فقال فرعون إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِيلُونَ ، وخرج فرعون على فرس أدهم حصان على لون فرسه في عسكره ثمان مئة ألف .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد الجريري ، عن أبي السليل ، عن قيس بن عباد ، قال : وكان من أكثر الناس أو أحدث الناس عن بني إسرائيل ، قال : فحدّثنا أن الشرذمة الذين سماهم فرعون من بني إسرائيل كانوا ستّ مئة ألف ، قال : وكان مقدمة فرعون سبعة مئة ألف ، كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة ، وفي يده حربة ، وهو خلفهم في الدهم . فلما انتهى موسى ببني إسرائيل إلى البحر ، قالت بنو إسرائيل : يا موسى أين ما وعدتنا ، هذا البحر بين أيدينا ، وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا ، فقال موسى للبحر : انفلق أبا خالد ، قال : لا لن أنفلق لك يا موسى ، أنا أقدم منك خلقا قال : فنودي أنِ اضربْ بعصاك البحر ، فضربه ، فانفلق البحر ، وكانوا اثني عشر سبطا . قال الجريري : فأحسبه قال : إنه كان لكل سبط طريق ، قال : فلما انتهى أوّل جنود فرعون إلى البحر ، هابت الخيل اللهب قال : ومَثّل لحصان منها فرس وديق ، فوجد ريحها فاشتدّ ، فاتبعه الخيل قال : فلما تتامّ آخر جنود فرعون في البحر ، وخرج آخر بني إسرائيل ، أمر البحر فانصفق عليهم ، فقالت بنو إسرائيل : ما مات فرعون وما كان ليموت أبدا ، فسمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام ، قال : فرمى به على الساحل ، كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيل .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِيلُونَ يعني بني إسرائيل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِيلُونَ قال : هم يومئذ ستّ مئة ألف ، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله وأوْحَيْنا إلى مُوسَى أنْ أسْرِ بعِبادِي إنّكُمْ مُتّبَعُونَ قال : أوحى الله إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل ، كلّ أربعة أبيات في بيت ، ثم اذبحوا أولاد الضأن ، فاضربوا بدمائها على الأبواب ، فإني سآمر الملائكة أن لا تدخل بيتا على بابه دم ، وسآمرهم بقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم ، ثم اخبزوا خبزا فطيرا ، فإنه أسرع لكم ، ثم أسر بعبادي حتى تنتهي للبحر ، فيأتيك أمري ، ففعل فلما أصبحوا قال فرعون : هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأموالنا ، فأرسل في أثرهم ألف ألف وخمس مئة ألف وخمس مئة ملك مُسَوّر ، مع كل ملك ألف رجل ، وخرج فرعون في الكَرِش العظمى ، وقال إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِيلُونَ قال : قطعة ، وكانوا ستّ مئة ألف ، مئتا ألف منهم أبناء عشرين سنة إلى أربعين .

قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن حوشب ، عن ابن عباس ، قال : كان مع فرعون يومئذ ألف جبار ، كلهم عليه تاج ، وكلهم أمير على خيل .

قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : كانوا ثلاثين ملكا ساقة خلف فرعون يحسبون أنهم معهم وجبرائيل أمامهم ، يردّ أوائل الخيل على أواخرها ، فأتبعهم حتى انتهى إلى البحر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ} (54)

{ إن هؤلاء لشرذمة قليلون } على إرادة القول وإنما استقلهم وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا بالإضافة إلى جنوده ، إذ روي أنه خرج وكانت مقدمته سبعمائة ألف والشرذمة الطائفة القليلة ، ومنها ثوب شراذم لما بلي وتقطع ، و { قليلون } باعتبار أنهم أسباط كل سبط منهم قليل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ} (54)

و «الشرذمة » الجمع القليل المحتقر ، وشرذمة كل شيء بقيته الخسيسة وأنشد أبو عبيدة : «تخذين في شراذم النعال » .

وقال الآخر : [ الرجز ]

جاء الشتاء وقميصي أخلاق . . . شراذم يضحك منها النواق{[8929]}


[8929]:البيت في (اللسان- خلق وشرذم)- عن ابن بري، وفي (توق) عن الأصمعي، والثوب الأخلاق يصفون به الواحد إذا صار خلقا كله، كأن كل قطعة فيه خلق، فجمعه باعتبار أجزائه، ومثل ذلك قولهم: "أرض سباسب، وبرمة أعشار، وحبل أرمام"، والشراذم جمع شرذمة وهي الجماعة القليلة من الناس، وثياب شراذم: أخلاق متقطعة، وثوب شراذم: قطع. ويقال: نفس تواقة: مشتاقة، وقيل: التواق اسم ابن الشاعر، ويروى البيت بالنون، ويكون المعنى حينئذ: الرجل الذي يروض الأمور ويصلحها، قال في الصحاح، هذا وقد سبق الاستشهاد به. وقال تعالى {قليلون} لأن كل جماعة منهم كان يلزمها معنى القلة، فلما جمع قيل: [قليلون]، ومثل ذلك: حي واحد، وحي واحدون، قال الكميت: فرد قواصي الأحياء منهم فقد صاروا كحي واحدينا
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ} (54)

جملة { إن هؤلاء لشرذمة قليلون } مقول لقول محذوف لأن { حاشرين } يتضمن معنى النداء ، أي يقولون إن هؤلاء لَشِرْذِمة قليلون .

والإشارة ب { هؤلاء } إلى حاضر في أذهان الناس لأن أمر بني إسرائيل قد شاع في أقطار مصر في تلك المدة التي بين جمع السحرة وبين خروج بني إسرائيل ، وليست الإشارة للسحرة خاصة إذ لا يلتئم ذلك مع القصة .

وفي اسم الإشارة إيماء إلى تحقير لشأنهم أكده التصريح بأنهم شرذمة قليلون .

والشرذمة : الطائفة القليلة من الناس ، هكذا فسره المحققون من أئمة اللغة ، فإتْباعه بوصف { قليلون } للتأكيد لدفع احتمال استعمالها في تحقير الشأن أو بالنسبة إلى جنود فرعون ، فقد كان عدد بني إسرائيل الذين خرجوا ستمائة ألف ، هكذا قال المفسرون ، وهو موافق لما في سفر العدد من التوراة في الإصحاح السادس والعشرين .

و { قليلون } خبر ثان عن اسم الإشارة ، فهو وصف في المعنى لمدلول { هؤلاء } وليس وصفاً لشرذمة ولكنه مؤكد لمعناها ، ولهذا جيء به بصيغة جمع السلامة الذي هو ليس من جموع الكثرة .

و ( قليل ) إذا وصف به يجوز مطابقته لموصوفه كما هنا ، ويجوز ملازمته الإفرادَ والتذكير كما قال السموأل أو الحارثي :

وما ضرّنا أنا قَليل *** البيت . . .

ونظيره في ذلك لفظ ( كثير ) وقد جمعهما قوله تعالى : { إذ يُريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لَفَشِلْتم } [ الأنفال : 43 ] .