تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ} (2)

هذا قسم بالقرآن على القرآن ، فأقسم بالكتاب المبين وأطلق ، ولم يذكر المتعلق ، ليدل على أنه مبين لكل ما يحتاج إليه العباد من أمور الدنيا والدين والآخرة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ} (2)

حول تلك الأساطير الوثنية والانحرافات الاعتقادية ، وحول تلك القيم الصحيحة والزائفة ، تدور السورة ، وتعالجها على النحو الذي تقدم . في أشواط ثلاثة تقدم أولها - قبل هذا - وأشرنا إلى بعض مادة الأشواط الأخرى في بعض المقتطفات من آيات السورة . فلنأخذ في التفصيل :

( حم . والكتاب المبين . إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون . وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم . أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين ? وكم أرسلنا من نبي في الأولين . وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون . فأهلكنا أشد منهم بطشاً ، ومضى مثل الأولين . . )

تبدأ السورة بالحرفين : حا . ميم

ثم يعطف عليهما قوله : ( والكتاب المبين ) . . ويقسم الله - سبحانه - بحاميم كما يقسم بالكتاب المبين . وحا ميم من جنس الكتاب المبين ، أو الكتاب المبين من جنس حا ميم . فهذا الكتاب المبين في صورته اللفظية من جنس هذين الحرفين . وهذان الحرفان - كبقية الأحرف في لسان البشر - آية من آيات الخالق ، الذي صنع البشر هذا الصنع ، وجعل لهم هذه الأصوات . فهناك أكثر من معنى وأكثر من دلالة في ذكر هذه الأحرف عند الحديث عن القرآن .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ} (2)

أقسم بالكتاب المبين وهو القرآن على أن القرآن جَعله الله عَربياً واضحَ الدلالة فهو حقيق بأن يُصدّقوا به لو كانوا غير مكابرين ، ولكنّهم بمكابرتهم كانوا كمن لا يعقلون . فالقَسَم بالقرآن تنويه بشأنه وهو توكيد لما تضمنه جواب القَسَم إذ ليس القَسَم هنا برافع لتكذيب المنكرين إذ لا يصدّقون بأن المقسِم هو الله تعالى فإن المخاطَب بالقسم هم المنكرون بدليل قوله : { لعلكم تعقلون } وتفريععِ { أفنضرب عنكم الذكر صفحاً } [ الزخرف : 5 ] عليه . وتوكيدُ الجواب ب ( إنَّ ) زيادة توكيد للخَبَر أن القرآن من جعل الله .

وفي جَعل المقسَم به القرآن بوصف كونه مبيناً ، وجَعْللِ جواب القسم أن الله جعله مُبيناً ، تنويه خاص بالقرآن إذ جُعل المقسم به هو المقسم عليه ، وهذا ضرب عزيز بديع لأنه يُومىء إلى أن المقسم على شأنه بلغ غاية الشرف فإذا أراد المقسِم أن يقسم على ثبوت شرف له لم يجد ما هو أوْلى بالقسم به للتناسب بين القَسَم والمقسم عليه . وجعل صاحب « الكشاف » من قبيله قولَ أبي تمام :

وثَنَايَاكِ إِنها اغْرِيضُ *** وَلآللٍ تُؤْمٌ وبَرقٌ ومَيضُ

إذْ قدر الزمخشري جملة ( إنها اغريض ) جواب القسم وهو الذي تبعه عليه الطيبي والقزويني في شرحيهما « للكشاف » ، وهو ما فسر به التبريزي في شرحه لديوان أبي تمام ، ولكن التفتزاني أبطل ذلك في شرح « الكشاف » وجعل جملة ( إنها اغريض ) استئنافاً أي اعتراضاً لبيان استحقاق ثناياها أن يُقسم بها ، وجعل جواب القسم قوله بعد أبيات ثلاثة :

لَتَكَادْنَي غِمارٌ من الأحْ *** داث لمْ أدْرِ أيَّهُن أخوضُ

والنكت والخصوصيات الأدبية يَكفي فيها الاحتمال المقبول فإن قوله قبله :

وارتكاضِ الكرى بعينيكِ في الن *** وم فنوناً وما بعيني غموض

يجوز أن يكون قَسَماً ثانِياً فيكون البيت جواباً له .

وإطلاق اسم الكتاب على القرآن باعتبار أن الله أنزله ليكتب وأنَّ الأمة مأمورون بكتابته وإن كان نزوله على الرّسول صلى الله عليه وسلم لفظاً غير مكتوب . وفي هذا إشارة إلى أنه سيكتب فى المصاحف ، والمراد ب { الكتاب } ما نَزل من القرآن قبلَ هذه السورة وقد كتَبه كتَّاب الوحي .