تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (11)

{ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ } هذا الوصف عائد إلى عاد وثمود وفرعون ومن تبعهم ، فإنهم طغوا في بلاد الله ، وآذوا عباد الله ، في دينهم ودنياهم ، ولهذا قال : { فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (11)

هؤلاء هم " الذين طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد " . . وليس وراء الطغيان إلا الفساد . فالطغيان يفسد الطاغية ، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان سواء . كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة . ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف ، المعمر الباني ، إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال . .

إنه يجعل الطاغية أسير هواه ، لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت ، ولا يقف عند حد ظاهر ، فيفسد هو أول من يفسد ؛ ويتخذ له مكانا في الأرض غير مكان العبد المستخلف ؛ وكذلك قال فرعون . . " أنا ربكم الأعلى " عندما أفسده طغيانه ، فتجاوز به مكان العبد المخلوق ، وتطاول به إلى هذا الادعاء المقبوح ، وهو فساد أي فساد .

ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء ، مع السخط الدفين والحقد الكظيم ، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية ، وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو الحرية . والنفس التي تستذل تأسن وتتعفن ، وتصبح مرتعا لديدان الشهوات الهابطة والغرائز المريضة . وميدانا للانحرافات مع انطماس البصيرة والإدراك . وفقدان الأريحية والهمة والتطلع والارتفاع ، وهو فساد أي فساد . .

ثم هو يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة ، لأنها خطر على الطغاة والطغيان . فلابد من تزييف للقيم ، وتزوير في الموازين ، وتحريف للتصورات كي تقبل صورة البغي البشعة ، وتراها مقبولة مستساغة . . وهو فساد أي فساد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (11)

وقوله : { الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ } أي : تمردوا وعتوا وعاثوا في الأرض بالإفساد والأذية للناس ،

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (11)

وقوله : الّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ يعني بقوله جلّ ثناؤه الذين عادا وثمود وفرعون وجنده . ويعني بقوله : طَغَوْا : تجاوزوا ما أباحه لهم ربهم ، وعتوا على ربهم إلى ما حظره عليهم من الكفر به وقوله فِي الْبِلادِ : التي كانوا فيها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم جمع عادا وثمود وفرعون ، فقال :{ الذين طغوا في البلاد } يعني الذين عملوا فيها بالمعاصي ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

طَغَوْا : تجاوزوا ما أباحه لهم ربهم ، وعتوا على ربهم إلى ما حظره عليهم من الكفر به، وقوله "فِي الْبِلادِ" : التي كانوا فيها . ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وطغيانهم في البلاد : تمردهم وعتوهم فيها . ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

معناه إن هؤلاء الذين ذكرناهم تجاوزوا في الظلم الحد في البلاد ، وخرجوا عن حد القلة وفسر ذلك بقوله ( فأكثروا فيها الفساد ) ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وليس وراء الطغيان إلا الفساد . فالطغيان يفسد الطاغية ، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان سواء . كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة . ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف .....

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... والطغيان شدّة العصيان والظلم ومعنى طغيانهم في البلاد أن كل أمة من هؤلاء طَغوا في بلدهم ؛ ولما كان بلدهم من جملة البلاد أي أرضي الأقوام كان طغيانهم في بلدهم قد أوقع الطغيان في البلاد لأن فساد البعض آيل إلى فساد الجميع بسَنِّ سنن السوء ، ولذلك تسبب عليه ما فرع عنه من قوله : { فأكثروا فيها الفساد } لأن الطغيان يجرِّئ صاحبه على دحض حقوق الناس فهو من جهة يكون قدوة سُوءٍ لأمثاله ومَلئهِ ، فكل واحد منهم يطغى على من هو دونه ، وذلك فساد عظيم ... ويجوز أن يكون التعريف في { البلاد } تعريف العهد ، أي في بلادهم والجمع على اعتبار التوزيع ، أي طغت كل أمة في بلادها . ...

الشعراوي – 1419هـ:

إن العيب فيهم ليس لأنهم وصلوا لذلك الرقي والحضارة: {إرم ذات العماد(7) التي لم يخلق مثلها في البلاد(8) وثمود الذين جابوا الصّخر بالواد(9) وفرعون ذي الأوتاد(10)}، إنما انصباب اللعنة عليهم جاء بسبب الطغيان، ذلك الطغيان الذي كان سببه التفوق في ماديات الحياة.

لكن ينبغي أن لا يتسبب عن ذلك الرقي المادي في حركة الحياة وفي حضارتها طغيان.

إذن.. فالمعيب هو طغيان الحركة، لا الحركة في ذاتها، ارتق في مادتك كما تحب، واستنبط من أسرار الوجود ما يجعلك في رفاهية من الحياة مما أحل الله، ولكن لا يجب أن يكون تفوقنا في الحياة وسيلة من وسائل الطغيان؛ لأن هذا الطغيان يؤدي إلى الفساد، والله لا يدع هذا الفساد، بل يأخذ أخذ عزيز مقتدر، ويصب على الطغاة من العذاب، لماذا؟ لكي يعطي صورة في الوجود، صورة: {إنّ ربّك لبالمرصاد(14)} [الفجر].

إذن.. فالآيات حينما عرضت، عرضت في مقدمتها حضارات، هذه الحضارات كانت متفوقة، ومتميزة، ونحن شهدنا آثار تلك الحضارات، وعرفنا عنها أشياء يعجز عصرنا بما أوتي من نشاطات ذهنية وابتكارية في الكون أن يصل إلى هذه المسألة، فلا يزالون في حيرة في بناء الأهرام، وكيف رفعت هذه الأحجار؟! وكيف وضعت في هذا الموضع؟! وكيف وصلوا إلى هذا المستوى العالي في الهندسة؟! فإلى الآن هي محل عجب من العقول المعاصرة.

فتصور لو أن هذه الحضارات لم تؤخذ أخذ عزيز مقتدر من جذورها، كيف كانت تصل بعد هذه الآلاف من السنين؟! لابد أنها كانت تصل إلى مراحل كبيرة، إنما انقطاع أخبارها عنا، يدل على أن الحق سبحانه وتعالى حينما أخذهم، أخذهم أخذ عزيز مقتدر، ولم يترك حتى ما يدل على كيفية وصول أصحاب هذه الحضارات إلى ما وصلوا إليه.