تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ فِرۡعَوۡنُ فَجَمَعَ كَيۡدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ} (60)

{ فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ } أي : جميع ما يقدر عليه ، مما يكيد به موسى ، فأرسل في مدائنه من يحشر السحرة الماهرين في سحرهم ، وكان السحر إذ ذاك ، متوفرا ، وعلمه علما مرغوبا فيه ، فجمع خلقا كثيرا من السحرة ، ثم أتى كل منهما للموعد ، واجتمع الناس للموعد .

فكان الجمع حافلا ، حضره الرجال والنساء ، والملأ ، والأشراف ، والعوام ، والصغار ، والكبار ، وحضوا الناس على الاجتماع ، وقالوا للناس : { هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ* لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ فِرۡعَوۡنُ فَجَمَعَ كَيۡدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ} (60)

ثم حكى القرآن ما كان من فرعون بعد أن حدد موسى - عليه السلام - موعد المبارزة فقال : { فتولى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أتى } .

أى : فجمع كبار سحرته من أطراف مملكته { ثُمَّ أتى } بهم فى الموعد المحدد ، ليتحدى موسى - عليه السلام - .

وإلى هنا نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا بأسلوبها البليغ جانبا من المحاورات التى دارت بين موسى وفرعون ، وأرتنا كيف واجه موسى طغيان فرعون وغروره ، برباطة جأش ، وقوة إرادة ، ومضاء عزيمة . . .

ثم انتقلت السورة بعد ذلك إلى الحديث عما دار بين موسى والسحرة من محاورات . انتهت بإيمانهم واعترافهم بالحق الذى جاء به موسى من عند ربه ، قال - تعالى - : { قَالَ لَهُمْ موسى . . . } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ فِرۡعَوۡنُ فَجَمَعَ كَيۡدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ} (60)

وهنا يسدل الستار ليرفع على مشهد المباراة :

( فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى ) . .

ويجمل السياق في هذا التعبير كل ما قاله فرعون وما أشار به الملأ من قومه ، وما دار بينه وبين السحرة من تشجيع وتحميس ووعد بالمكافأة ، وما فكر فيه وما دبر هو ومستشاروه . . يجمله في جملة : فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى . وتصور تلك الآية الواحدة القصيرة ثلاث حركات متواليات : ذهاب فرعون ، وجمع كيده ، والإتيان به .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَتَوَلَّىٰ فِرۡعَوۡنُ فَجَمَعَ كَيۡدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ} (60)

تفريع التولّي وجمع الكيد على تعيين موسى للموعد إشارة إلى أن فرعون بادر بالاستعداد لهذا الموعد ولم يُضععِ الوقت للتهيئة له .

والتولّي : الانصراف ، وهو هنا مستعمل في حقيقته ، أي انصرف عن ذلك المجلس إلى حيثُ يُرسل الرسل إلى المدائن لجمع من عُرفوا بعلم السحر ، وهذا كقوله تعالى في سورة النازعات ( 22 ، 23 ) { ثم أدبر يسعى فحشر فنادى }

ومعنى جمع الكيد : تدبير أسلوب مناظرة موسى ، وإعداد الحيل لإظهار غلبة السحرة عليه ، وإقناع الحاضرين بأنّ موسى ليس على شيء .

وهذا أسلوب قديم في المناظرات : أن يسعى المناظر جهده للتشهير ببطلان حجّة خصمه بكلّ وسائل التلبيس والتشنيع والتشهير ، ومباداته بما يفتّ في عضده ويشوش رأيه حتّى يذهب منه تدبيره .

فالجمع هنا مستعمل في معنى إعداد الرأي . واستقصاء ترتيب الأمر ، كقوله { فأجمعوا أمركم } [ يونس : 71 ] ، أي جمع رأيه وتدبيره الذي يكيد به موسى . ويجوز أن يكون المعنى فجمع أهل كيده ، أي جمع السحرة ، على حد قوله تعالى : { فجمع السحرة لميقات يوم معلوم } [ الشعراء : 38 ] .

والكَيْد : إخفاء ما به الضر إلى وقت فعله . وقد تقدّم عند قوله تعالى : { إن كيدي متين } في سورة الأعراف ( 183 ) .

ومعنى { ثُمَّ أتى } ثمّ حضر الموعدَ ، وثم للمهلة الحقيقية والرتبية معاً ، لأن حضوره للموعد كان بعد مضي مهلة الاستعداد ، ولأن ذلك الحضور بعد جمع كيده أهمّ من جمع الكيد ، لأنّ فيه ظهور أثر ما أعدّه .