ثم بين له - سبحانه - ما يفعله إذا ما لُّجوا فى منازعتهم له فقال : { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } . .
أى : وإن أبوا إلا مجادلتك بعد أن ظهر الحق ، ولزمتهم الحجة ، فقل لهم - أيها الرسول الكريم - امرى وامركم إلى الله - تعالى - ، فهو الذى يتولى الحكم بينى وبينكم يوم القيامة ، لأنه - سبحانه - هو العليم بحالى وحالكم .
وهذه الجملة الكريمة قد تضمنت تهديدهم على استمرارهم فى جدالهم بعد أن تبين لهم الحق ، كما تضمنت وجوب إعراض الرسول - صلى الله عليه وسلم – عنهم .
فإن تعرض القوم لجداله فليختصر القول . فلا ضرورة لإضاعة الوقت والجهد :
( وإن جادلوك فقل : الله أعلم بما تعملون ) . .
فإنما يجدي الجدل مع القلوب المستعدة للهدى التي تطلب المعرفة وتبحث حقيقة عن الدليل . لا مع القلوب المصرة على الضلال المكابرة التي لا تحفل كل هذا الحشد من الدواعي والدلائل في الأنفس والآفاق وهي كثيرة معروضة للأنظار والقلوب . . فليكلهم إلى الله .
وقوله : { وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، كقوله : { وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } [ يونس : 41 ] .
وقوله : { اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } تهديد شديد ، ووعيد أكيد ، كقوله : { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } [ الأحقاف : 8 ] ؛ ولهذا قال : { اللَّهُ{[20411]} يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإن جادلك يا محمد هؤلاء المشركون بالله في نسكك ، فقيل : الله أعلم بما تعملون ونعمل . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني جحاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : وَإنْ جادَلُوكَ قال : قول أهل الشرك : أما ما ذبح الله بيمينه . فَقُلِ اللّهُ أعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم .
عطف على جملة { فلا ينازعنك في الأمر } [ الحج : 67 ] . والمعنى : إن تبيّن عدم اقتناعهم بالأدلة التي تقطع المنازعة وأبوا إلا دوام المجادلة تشغيباً واستهزاء فقل : الله أعلم بما تعملون .
وفي قوله : { الله أعلم بما تعملون } تفويض أمرهم إلى الله تعالى ، وهو كناية عن قطع المجادلة معهم ، وإدماج بتعريض بالوعيد والإنذار بكلام موجّه صالح لما يتظاهرون به من تطلب الحجّة : ولما في نفوسهم من إبطان العناد كقوله تعالى : { فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون } [ السجدة : 30 ] .
والمراد ب { ما تعملون } ما يعملونه من أنواع المعارضة والمجادلة بالباطل ليُدحضوا به الحق وغير ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.