{ مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا } فأي فضيلة فقتنا بها حتى تدعونا إلى اتباعك ؟ { فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } هذا مع أن مجرد اعتبار حالته وحالة ما دعا إليه من أكبر الآيات البينات على صحة ما جاء به وصدقه ، ولكنهم من قسوتهم سألوا آيات الاقتراح التي في الغالب لا يفلح من طلبها لكون طلبه مبنيا على التعنت لا على الاسترشاد
ولكن هذا النصح الحكيم من صالح لقومه ، لم يقابل منهم بأنذ صاغية ، بل قابلوه بالتطاول والاستهتار وإنكار رسالته { قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } .
أى : قال قوم صالح له : أنت لست إلا من الذين غلب عليهم السحر ، وأثر فى عقولهم ، فصاروا يتكلمون بكلام المجانين . وما أنت - أيضا - إلا بشر مثلنا تأكل الطعام كما نأكل . وتشرب الشراب كما نشرب . . . فإن كنت رسولا حقا فأتنا بعلامة ومعجزة تدل على صدقك فى دعواك الرسالة وكأنهم - لجهلهم وانطماس بصائرهم - يرون أن البشرية تتنافى مع النبوة والرسالة ،
( ما أنت إلا بشر مثلنا ) . . وتلك هي الشبهة التي ظلت تخايل للبشرية كلما جاءها رسول . فقد كان تصور البشرية القاصر للرسول عجيبا دائما ؛ وما كانت تدرك حكمة الله في أن يكون الرسول بشرا ، وما كانت تدرك كذلك تكريم هذا الجنس البشري باختيار الرسل منه ليكونوا رواد البشرية المتصلين بمصدر الهدى والنور .
وكانت البشرية تتصور الرسول خلقا آخر غير البشر . أو هكذا ينبغي أن يكون ؛ ما دام يأتي إليها بخبر السماء ، وخبر الغيب ، وخبر العالم المحجوب عن البشر . . ذلك أنها ما كانت تدرك سر هذا الإنسان الذي كرمه الله به ، وهو أنه موهوب القدرة على الاتصال بالملأ الأعلى وهو على هذه الأرض مقيم . يأكل وينام ويتزوج ويمشي في الأسواق . ويعالج ما يعالجه سائر البشر من المشاعر والنوازع ، وهو متصل بذلك السر العظيم .
وكانت البشرية جيلا بعد جيل تطلب خارقة معجزة من الرسول تدل على أنه حقا مرسل من الله : فأت بآية إن كنت من الصادقين . . وهكذا طلبت ثمود تلك الخارقة ، فاستجاب الله لعبده صالح ، وأعطاه هذه الخارقة في صورة ناقة ؛ لا نخوض في وصفها كما خاض المفسرون القدامى ، لأنه ليس لدينا سند صحيح نعتمد عليه في هذا الوصف . فنكتفي بأنها كانت خارقة كما طلبت ثمود .
ثم قالوا : { مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا } يعني : فكيف أوحي إليك دوننا ؟ كما قالوا في الآية الأخرى : { أَؤُلْقِيَ{[21835]} الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ } [ القمر : 25 ، 26 ] .
ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها ، ليعلموا صدقه بما{[21836]} جاءهم به من ربهم فطلبوا منه - وقد اجتمع ملؤهم - أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة - وأشاروا إلى صخرة عندهم - ناقة عُشَراء من صفتها كذا وكذا . فعند ذلك أخذ عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق ، لئن أجابهم إلى ما سألوا لَيُؤمنَنَ به ، [ وليصدقنه ]{[21837]} ، وليتبعنه ، فأنعموا بذلك . فقام نبي الله صالح ، عليه السلام ، فصلى ، ثم دعا الله ، عز وجل ، أن يجيبهم إلى سؤالهم ، فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عُشَراء ، على الصفة التي وصفوها . فآمن بعضهم وكفر أكثرهم ،
القول في تأويل قوله تعالى : { مَآ أَنتَ إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ * قَالَ هََذِهِ نَاقَةٌ لّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مّعْلُومٍ * وَلاَ تَمَسّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ثمود لنبيها صالح : ما أنْتَ يا صالح إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا من بني آدم ، تأكل ما نأكل ، وتشرب ما نشرب ، ولست بربّ ولا ملك ، فعلام نتبعك ؟ فإن كنت صادقا في قيلك ، وأن الله أرسلك إلينا فَأْتِ بِآيَةً يعني : بدلالة وحجة على أنك محقّ فيما تقول ، إن كنت ممن صَدَقَنا في دعواه أن الله أرسله إلينا . وقد :
حدثني أحمد بن عمرو البصري ، قال : حدثنا عمرو بن عاصم الكلابيّ ، قال : حدثنا داود بن أبي الفرات ، قال : حدثنا عِلباء بن أحمر ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، أن صالحا النبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى قومه ، فآمنوا به واتبعوه ، فمات صالح ، فرجعوا عن الإسلام ، فأتاهم صالح ، فقال لهم : أنا صالح ، قالوا : إن كنت صادقا فأتنا بآية ، فأتاهم بالناقة ، فكذّبوه وعقروها ، فعذّبهم الله .
ولمّا تضمن قولهم : { إنما أنت من المسحّرين } تكذيبهم إياه أيدوا تكذيبه بأنه بشر مثلهم . وذلك في زعمهم ينافي أن يكون رسولاً من الله لأن الرسول في زعمهم لا يكون إلا مخلوقاً خارقاً للعادة كأن يكون ملَكاً أو جِنّيّاً .
جملة : { ما أنت إلا بشر مثلنا } في حكم التأكيد بجملة : { إنما أنت من المسحّرين } باعتبار مضمون الجملتين .
وفرعوا على تكذيبه المطالبةَ بأن يأتي بآية على صدقه ، أي أن يأتي بخارق عادة يدل على أن الله صدقه في دعوى الرسالة عنه . وفرضوا صدقه بحرف { إنْ } الشرطية الغالب استعمالها في الشّك .
ومعنى { من الصادقين } من الفئة المعروفين بالصدق يعنون بذلك الرسل الصادقين لدلالته على تمكن الصدق منه ، كما تقدم في قوله : { من المرجومين } [ الشعراء : 116 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ما أنت إلا بشر مثلنا} يقول: إنما أنت بشر مثلنا في المنزلة، ولا تفضلنا في شيء، لست بملك، ولا رسول، {فأت بآية إن كنت من الصادقين} بأنك رسول الله إلينا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ثمود لنبيها صالح:"ما أنْتَ يا صالح إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا" من بني آدم، تأكل ما نأكل، وتشرب ما نشرب، ولست بربّ ولا ملك، فعلام نتبعك؟ فإن كنت صادقا في قيلك، وأن الله أرسلك إلينا "فَأْتِ بِآيَةً "يعني: بدلالة وحجة على أنك محقّ فيما تقول، إن كنت ممن صَدَقَنا في دعواه أن الله أرسله إلينا.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وقالوا له "فأت بآية "أي معجزة تدل على صدقك "إن كنت من" جملة "الصادقين" في دعواك.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
قد ذكرنا أنهم طلبوا ناقة حمراء عشراء، تخرج من صخرة وتلد سقبا في الحال.
وثانيهما: قولهم: {ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين} وهذا يحتمل أمرين: الأول: أنك بشر مثلنا فكيف تكون نبيا؟ وهذا بمنزلة ما كانوا يذكرون في الأنبياء أنهم لو كانوا صادقين، لكانوا من جنس الملائكة. الثاني: أن يكون مرادهم إنك بشر مثلنا، فلابد لنا في إثبات نبوتك من الدليل.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
ومثلنا: أي في الأكل والشرب وغير ذلك من صفات البشر، فلا اختصاص لك بالرسالة. {فأت بآية}: أي بعلامة على صحة دعواك...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها، ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم فطلبوا منه -وقد اجتمع ملؤهم- أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة -وأشاروا إلى صخرة عندهم- ناقة عُشَراء من صفتها كذا وكذا. فعند ذلك أخذ عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق، لئن أجابهم إلى ما سألوا لَيُؤمنَنَ به، [وليصدقنه]، وليتبعنه، فأنعموا بذلك. فقام نبي الله صالح، عليه السلام، فصلى، ثم دعا الله، عز وجل، أن يجيبهم إلى سؤالهم، فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عُشَراء، على الصفة التي وصفوها. فآمن بعضهم وكفر أكثرهم،
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ويؤيده تفسيره بقولهم إشارة إلى أنه لا يصلح للرسالة: {ما أنت إلا بشر مثلنا} أي فما وجه خصوصيتك عنا بالرسالة، وهل يكون الرسول من البشر، وإتباعهم الوصف الوصف من غير عطف عليه يدل على أنهم غير جازمين بتكذيبه. فالوصفان عندهم بمنزلة شيء واحد كما إذا قيل: الزمان حلو حامض، أي مر، ويؤيد كونهم في رتبة الشك لم يتجاوزوها إلى الجزم أو الظن بالتكذيب قولهم: {فأت بآية} أي علامة تدلنا على صدقك {إن كنت} أي كوناً هو غاية الرسوخ {من الصادقين} أي العريقين في الصدق بخلاف ما يأتي قريباً في قصة شعيب عليه السلام.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(ما أنت إلا بشر مثلنا).. وتلك هي الشبهة التي ظلت تخايل للبشرية كلما جاءها رسول. فقد كان تصور البشرية القاصر للرسول عجيبا دائما؛ وما كانت تدرك حكمة الله في أن يكون الرسول بشرا، وما كانت تدرك كذلك تكريم هذا الجنس البشري باختيار الرسل منه ليكونوا رواد البشرية المتصلين بمصدر الهدى والنور...وكانت البشرية جيلا بعد جيل تطلب خارقة معجزة من الرسول تدل على أنه حقا مرسل من الله: فأت بآية إن كنت من الصادقين.. وهكذا طلبت ثمود تلك الخارقة، فاستجاب الله لعبده صالح، وأعطاه هذه الخارقة في صورة ناقة..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ولمّا تضمن قولهم: {إنما أنت من المسحّرين} تكذيبهم إياه أيدوا تكذيبه بأنه بشر مثلهم. وذلك في زعمهم ينافي أن يكون رسولاً من الله لأن الرسول في زعمهم لا يكون إلا مخلوقاً خارقاً للعادة كأن يكون ملَكاً أو جِنّيّاً. جملة: {ما أنت إلا بشر مثلنا} في حكم التأكيد بجملة: {إنما أنت من المسحّرين} باعتبار مضمون الجملتين. وفرعوا على تكذيبه المطالبةَ بأن يأتي بآية على صدقه، أي أن يأتي بخارق عادة يدل على أن الله صدقه في دعوى الرسالة عنه. وفرضوا صدقه بحرف {إنْ} الشرطية الغالب استعمالها في الشّك. ومعنى {من الصادقين} من الفئة المعروفين بالصدق يعنون بذلك الرسل الصادقين لدلالته على تمكن الصدق منه..