69- { أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ } .
أأنتم أنزلتم المطر من السحاب ، أم نحن المنزلون ؟
والجواب هو : ما أنزل المطر إلا الله سبحانه وتعالى ، والقرآن بهذا يُعدّد نعم الله الظاهرة أمام أعينهم فنزول المطر يحتاج إلى موافقات متعددة لا يقدر عليها إلا الله ، وهو سبحانه سائق السحاب ، ينزله على من يشاء ، ويصرفه عمن يشاء . فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون . ( الروم : 48 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أأنتم أنزلتموه من المزن} يعني من السحاب {أم نحن المنزلون}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
أفرأيتم أيها الناس الماء الذي تشربون، ءأنتم أنزلتموه من السحاب فوقكم إلى قرار الأرض، أم نحن منزلوه لكم.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
... ينبههم بذلك على عظيم قدرته.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ووجه الاستدلال إنشاء ما به الحياة بعد أن كان معدوماً بأن كوّنه الله في السحاب بحكمة تكوين الماء. فكما استُدل بإيجاد الحي من أجزاء ميتة في خلق الإنسان والنبات استُدل بإيجاد ما به الحياة عن عدم تقريباً لإِعادة الأجسام بحكمة دقيقة خفية، أي يجوز أن يمطر الله مطراً على ذوات الأجساد الإنسانية يكون سبباً في تخلقها أجساداً كاملة كما كانت أصولها، كما تتكوّن الشجرة من نواةِ أصلِها، وقد تم الاستدلال على البعث عند قوله: {أم نحن المنزلون}.
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
والجواب الذي لا جواب غيره هو أنت يا ربنا هو منزله من المزن، ونحن لا قدرة لنا على ذلك. فيقال لهم: إذا كنتم في هذا القدر من شدة الحاجة إليه تعالى فلم تكفرون به وتشربون ماءه وتأكلون رزقه وتعبدون غيره، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من الامتنان على الخلق بالماء وأنهم يلزمهم الإيمان بالله وطاعته شكراً لنعمة هذا الماء...
" أأنتم أنزلتموه من المزن " أي السحاب ، الواحدة مزنة ، فقال الشاعر :
فنحن كماء المُزن ما في نصابنا *** كَهَامٌ ولا فينا يُعَدُّ بخيل{[14668]}
وهذا قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما أن المزن السحاب . وعن ابن عباس أيضا والثوري : المزن السماء والسحاب . وفي الصحاح : أبو زيد : المزنة السحابة البيضاء والجمع مزن ، والمزنة المطرة ، قال :
ألم تر أن الله أنزل مُزْنَةً *** وعُفْرُ الظباء في الكِنَاسِ تَقَمَّعُ{[14669]}
" أم نحن المنزلون " أي : فإذا عرفتم بأني أنزلته فلم لا تشكروني بإخلاص العبادة لي ؟ ولم تنكرون قدرتي على الإعادة ؟ .
{ من المزن } هي السحاب ، والأجاج الشديد الملوحة .
فإن قيل : لم ثبتت اللام في قوله : { لو نشاء لجعلناه حطاما } وسقطت في قوله : { لو نشاء جعلناه أجاجا } ؟ فالجواب : من وجهين :
أحدهما : أنه أغنى إثباتها أولا عن إثباتها ثانيا مع قرب الموضعين .
والآخر : أن هذه اللام تدخل للتأكيد فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن الطعام أوكد من الشراب لأن الإنسان لا يشرب إلا بعد أن يأكل .
ولما كان عنصره في{[62200]} جهة العلو ، قال منكراً عليهم مقرراً لهم : { أءنتم أنزلتموه } ولما كان الإنزال قد يطلق على مجرد إيجاد الشيء النفيس ، وكان السحاب من عادته المرور مع الريح لا يكاد يثبت ، عبر بقوله تحقيقاً لجهة العلو وتوقيفاً على موضع النعمة في إثباته إلى أن يتم حصول النفع به : { من المزن } أي السحاب المملوء الممدوح الذي شأنه الإسراع في المضي ، وقال الأصبهاني ، و{[62201]}قيل : السحاب الأبيض خاصة ، وهو أعذب ماء { أم نحن } أي خاصة ، وأكد بذكر الخبر وهو لا يحتاج إلى ذكره في أصل المعنى فقال : { المنزلون * } أي له ، رحمة لكم{[62202]} وإحساناً إليكم بتطييب عيشكم على ما لنا من مقام العظمة الذي شأنه الكبر والجبروت وعدم المبالاة بشيء ، والآية من الاحتباك بمثل ما مضى في الآيتين السابقتين سواء .