التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمۡ لَمۡ يُنَبَّأۡ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ} (36)

ثم وبخه - سبحانه - على جهالته وعدم فهمه فقال : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ موسى وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى . . } .

وصحف إبراهيم : هى الصحف التى أوحى الله - تعالى - إليه بما فيها ، وقد ذكر سبحانه ذلك فى قوله تعالى : { إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى } وخصت صحف هذين النبيين الكريمين بالذكر ، لأنها كانت أشهر من غيرها عند العرب ، وكانوا يسألون أهل الكتاب من اليهود عما خفى عليهم من صحف موسى .

وقدم - سبحانه - هنا صحف موسى ، لاشتهارها بسعة الأحكام التى اشتملت عليها ، بالنسبة لما وصل إليهم من صحف إبراهيم .

وأما فى سورة الأعلى فقدمت صحف إبراهيم على صحف موسى لوقوعهما بدلا من الصحف الأولى ، وصحف إبراهيم أقدم من صحف موسى ، فكان الإتيان بهما على الترتيب الزمنى أنسب بالمقام .

وحذف - سبحانه - متعلق " وفَّى " ليتناول كل ما يجب الوفاء به ، كمحافظته على أداء حقوق الله - تعالى - ، واجتهاده فى تبليغ الرسالة التى كلفه - سبحانه - بتبليغها ، ووقوفه عند الأوامر التى أمره - تعالى - بها ، وعند النواهى التى نهاه عنها . . .

   
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمۡ لَمۡ يُنَبَّأۡ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ} (36)

{ أم } لإِضراب الانتقال إلى متعجَّب منه وإنكارٍ عليه آخَر وهو جهله بما عليه أن يعلمه الذين يخشون الله تعالى من عِلم ما جاء على ألسنة الرسل الأولين فإن كان هو لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فهلاّ تطلب ما أخبرت به رسل من قبلُ ، طالما ذكَر هو وقومه أسماءهم وشرائعهم في الجملة ، وطالما سأل هو وقومه أهل الكتاب عن أخبار موسى ، فهلاّ سأل عمّا جاء عنهم في هذا الغرض الذي يسعى إليه وهو طلب النجاة من عذاب الله فينبئه العالمون ، فإن مآثر شريعة إبراهيم مأثور بعضها عند العرب ، وشريعة موسى معلومة عند اليهود . فالاستفهام المقدر بعد { أم } إنكار مثل الاستفهام المذكور قبلها في قوله : { أعنده علم الغيب } والتقدير : بل ألم ينبأ بما في صحف موسى الخ .

و { صحف موسى } : هي التوراة ، وصحف { إبراهيم } : صحفٌ سُجِّل فيها ما أوحَى الله إليه ، وهي المذكورة في سورة الأعلى ( 18 ، 19 ) { إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى } روى ابن حبّان والحاكم عن أبي ذر أنه سأل النبي عن الكتب التي أنزلت على الأنبياء فذكر له منها عشرة صحائف أنزلت على إبراهيم ، أي أنزل عليه ما هو مكتوب فيها .

وإنما خص هذه الصحف بالذكر لأن العرب يعرفون إبراهيم وشريعته ويسمونها الحنيفية وربما ادّعى بعضهم أنه على إثارة منها مثل : زيد بن عَمرو بن نُفيل .

وأما صحف موسى فهي مشتهرة عند أهل الكتاب ، والعربُ يخالطون اليهود في خيبر وقريظة والنضير وتَيما ، ويخالطون نصارى نجران ، وقد قال الله تعالى : { فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثلَ ما أُوتي موسى } [ القصص : 48 ] .

وتقديم { صحف موسى } لأنها اشتهرت بسعة ما فيها من الهدى والشريعة ، وأما صحف إبراهيم فكان المأثور منها أشياء قليلة . وقدّرت بعشر صحف ، أي مقدار عشر ورقات بالخط القديم ، تسَع الورقة قُرابة أربع آيات من آي القرآن بحيث يكون مجموع ملفي صحف إبراهيم مقدار أربعين أية .

وإنما قدم في سورة الأعلى صحف إبراهيم على صحف موسى مراعاةً لوقوعهما بَدلاً من الصحف الأولى فقدم في الذكر أقدمهما .

وعندي أن تأخير ذكر صحف إبراهيم ليقع ما بعدها هنا جامعاً لما احتوت عليه صحف إبراهيم فتكون صحف إبراهيم هي الكلمات التي ابتلَى الله بها إبراهيم المذكورةُ في قوله في سورة البقرة { 124 } : { وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن أي بلغهن إلى قومه ومن آمن به ، ويكون قوله هنا الذي وفى } في معنى قوله : { فأتمهن } في سورة البقرة { 124 } .