التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نَرِثُ ٱلۡأَرۡضَ وَمَنۡ عَلَيۡهَا وَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (40)

ثم ساق - سبحانه - ما يدل على كمال قدرته ، وشمول ملكه فقال : { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا . . . } أى : إنا نحن وحدنا الذين نميت جميع الخلائق الساكنين بالأرض ، فلا يبقى لأحد غيرنا من سلطان عليهم أو عليها ، وهؤلاء الخلائق جميعاً { وَإِلَيْنَا } وحدنا { يُرْجَعُونَ } يوم القيامة ، فنحاسبهم على أعمالهم .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الوارثون } وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حدثتنا عن جانب من قصة زكريا ويحيى ، وعن قصة مريم وعيسى ، حديثاً يهدى إلى الرشد ، ويزيد المؤمنين إيماناً على إيمانهم ، ويقذف بحقه على باطل المبطلين فيدمغه فإذا هو زاهق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نَرِثُ ٱلۡأَرۡضَ وَمَنۡ عَلَيۡهَا وَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (40)

أنذرهم ذلك اليوم الذي لا شك فيه ؛ فكل ما على الأرض ومن على الأرض عائد إلى الله ، عودة الميراث كله إلى الوارث الوحيد ! :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نَرِثُ ٱلۡأَرۡضَ وَمَنۡ عَلَيۡهَا وَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (40)

وقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يخبر تعالى أنه الخالق المالك المتصرف ، وأن الخلق كلهم يهلكون ويبقى هو ، تعالى وتقدس ولا أحد يَدّعي مُلْكا ولا تصرفًا ، بل هو الوارث لجميع خلقه ، الباقي بعدهم ، الحاكم فيهم ، فلا تظلم نفس شيئًا ولا جناح بعوضة ولا مثقال ذرة .

قال ابن أبي حاتم : ذكر هدبة بن خالد القيسي : حدثنا حزم بن أبي حزم القُطَعي قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن صاحب الكوفة : أما بعد ، فإن الله كتب على خلقه حين خلقهم الموت ، فجعل مصيرهم إليه ، وقال فيما أنزل من كتابه الصادق الذي حفظه بعلمه ، وأشهد ملائكته على خلقه : أنه يرث الأرض ومن عليها ، وإليه يرجعون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نَرِثُ ٱلۡأَرۡضَ وَمَنۡ عَلَيۡهَا وَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (40)

وقوله { نرث } ، تجوز وعبارة عن فناء المخلوقات وبقاء الخالق فكأنها وراثة ، وقرأ عاصم ونافع وأبو عمرو والحسن والأعمش «يرجعون » بالياء ، وقرأ الأعرج «ترجعون » بالتاء من فوق ، وقرأ أبو عبد الرحمن وابن أبي إسحاق وعيسى «يرجِعون » بالياء من تحت مفتوحة وكسر الجيم ، وحكى عنهم أبو عمرو والداني «ترجعون » بالتاء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نَرِثُ ٱلۡأَرۡضَ وَمَنۡ عَلَيۡهَا وَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (40)

تذييل لختم القصة على عادة القرآن في تذييل الأغراض عند الانتقال منها إلى غيرها . والكلام موجّه إلى المشركين لإبلاغه إليهم .

وضمير { يرجعون } عائد إلى من عليها وإلى ما عاد إليه ضمير الغيبة في { وأنذرهم } [ مريم : 39 ] .

وحقيقة الإرث : مصير مال الميت إلى من يبقى بعده . وهو هنا مجاز في تمحض التصرف في الشيء دون مشارك . فإن الأرض كانت في تصرف سكانها من الإنسان والحيوان كلّ بما يناسبه ، فإذا هلك الناس والحيوان فقد صاروا في باطن الأرض وصارت الأرض في غير تصرفهم فلم يبق تصرف فيها إلا لخالقها ، وهو تصرف كان في ظاهر الأمر مشتركاً بمقدار ما خولهم الله التصرف فيها إلى أجلٍ معلوم ، فصار الجميع في محض تصرف الله ، ومن جملة ذلك تصرفه بالجزاء .

وتأكيد جملة { إنا نحن نرث الأرض } بحرف التوكيد لدفع الشك لأن المشركين ينكرون الجزاء ، فهم ينكرون أن الله يرث الأرض ومن عليها بهذا المعنى .

وأما ضمير الفصل في قوله نحن نرث الأرض فهو لمجرد التأكيد ولا يفيد تخصيصاً ، إذ لا يفيد ردّ اعتقادٍ مخالفٍ لذلك .

وظهر لي : أن مجيء ضمير الفصل بمجرد التأكيد كثير إذا وقع ضمير الفصل بعد ضمير آخر نحو قوله { إنني أنا الله } في سورة طه ( 14 ) ، وقوله : { وهم بالأخرة هم كافرون } في سورة يوسف ( 37 ) .

وأفاد هذا التذييل التعريف بتهديد المشركين بأنهم لا مفرّ لهم من الكون في قبضة الربّ الواحد الذي أشركوا بعبادته بعضَ ما على الأرض ، وأن آلهتهم ليست بمرجوة لنفعهم إذ ما هي إلاّ مما يرثه الله .

وبذلك كان موقع جملة وإلينا يرجعون بيّناً ، فالتقديم مفيد القصر ، أي لا يرجعون إلى غيرنا . ومحمل هذا التقديم بالنسبة إلى المسلمين الاهتمام ومحمله بالنسبة إلى المشركين القصر كما تقدم في قوله : { إنا نحن نرث الأرض } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّا نَحۡنُ نَرِثُ ٱلۡأَرۡضَ وَمَنۡ عَلَيۡهَا وَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (40)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا يحزنك تكذيب هؤلاء المشركين يا محمد فيما أتيتهم به من الحقّ، فإن إلينا مرجعهم ومصيرهم ومصير جميع الخلق غيرهم، ونحن وارثو الأرض ومن عليها من الناس، بفنائهم منها، وبقائها لا مالك لها غيرنا، ثم علينا جزاء كلّ عامل منهم بعمله، عند مرجعه إلينا، المحسن منهم بإحسانه، والمسيء بإساءته...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{إنا نحن نرث الأرض ومن عليها} هذا، والله أعلم، كناية عن فناء الخلق جميعا وبقاء الخالق، فذلك معنى الوراثة، والله أعلم. وعلى ذلك سمي الوارث في الشاهد وارثا لأنه باق بعد فناء مورثه، والله أعلم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ثم أخبر تعالى عن نفسه، فقال "إنا نحن نرث الأرض ومن عليها "أي يعود إلينا التصرف في الأرض وفي من عليها من العقلاء، وغيرهم، لا يبقى لأحد ملك "والينا يرجعون" أي يردون يوم القيامة إلى الموضع الذي لا يملك الأمر والنهي غيرنا...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

يريد به إذا قَبَضَ أرواحَ بني آدم بجملتهم، ولم يبقَ على وجه الأرض منهم واحدٌ، وليس يريد به استحداث مُلْكِه، وهو اليومَ مالِكُ الأرض ومَنْ عليها، ومالكُ الكونِ وما فيه. {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهُا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف:128]، ولما انتهى إلى هذه الأمة قال: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمنْ عَلَيْهَا}.. فشتان بين مَنْ وارِثُه الوَلَدُ وبين مَن وارِثُه الأَحَدُ! ويقال هان على العبد المسلم إِذا مات إذا كان الحقُّ وارثَه... وقال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتَا بَلْ أَحْيَآءُ} [آل عمران: 168] لماذا؟ لأِنَّ وارثَهم اللَّهُ.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

(إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) الآية. معناه: إنا نميت سكان الأرض، ونهلكهم، فتكون الأرض ومن عليها لنا وفي حكمنا. ومعنى الإرث: هو أنه لا يبقى لأحد ملك ولا سبب سوى الله.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{إنا نحن نرث الأرض ومن عليها} أي هذه الأمور تؤول إلى أن لا يملك الضر والنفع إلا الله تعالى: {وإلينا يرجعون} أي إلى محل حكمنا وقضائنا لأنه تعالى منزه عن المكان حتى يكون الرجوع إليه، وهذا تخويف عظيم وزجر بليغ للعصاة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان الإرث هو حوز الشيء بعد موت أهله، وكان سبحانه قد قضى بموت الخلائق أجمعين، وأنه يبقى وحده، عبر عن ذلك بالإرث مقرراً به مضمون الكلام السابق، فقال مؤكداً تكذيباً لقولهم: إن الدهر لا يزال هكذا، حياة لقوم وموت لآخرين {إنا نحن} بعظمتنا التي اقتضت ذلك ولا بد، وأفاد الأصبهاني أن تأكيد اسم {إن} أفاد أن الإسناد إليه سبحانه لا إلى أحد من جنده {نرث الأرض} فلا ندع بها عامراً من عاقل ولا غيره. ولما كان العاقل أقوى من غيره، صرح به بعد دخوله فقال: {ومن عليها} أي من العقلاء، بأن نسلبهم جميع ما في أيديهم {وإلينا} لا إلى غيرنا من الدنيا وجبابرتها إلى غير ذلك {يرجعون} معنى في الدنيا وحساً بعد الموت.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

فهذا قدامهم، والحال أنهم في الدنيا في غفلة عن هذا الأمر العظيم لا يخطر بقلوبهم، ولو خطر فعلى سبيل الغفلة، قد عمتهم الغفلة، وشملتهم السكرة، فهم لا يؤمنون بالله، ولا يتبعون رسله، قد ألهتهم دنياهم، وحالت بينهم وبين الإيمان شهواتهم المنقضية الفانية. فالدنيا وما فيها، من أولها إلى آخرها، ستذهب عن أهلها، ويذهبون عنها، وسيرث الله الأرض ومن عليها، ويرجعهم إليه، فيجازيهم بما عملوا فيها، وما خسروا فيها أو ربحوا، فمن فعل خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

أنذرهم ذلك اليوم الذي لا شك فيه؛ فكل ما على الأرض ومن على الأرض عائد إلى الله، عودة الميراث كله إلى الوارث الوحيد!:

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تذييل لختم القصة على عادة القرآن في تذييل الأغراض عند الانتقال منها إلى غيرها. والكلام موجّه إلى المشركين لإبلاغه إليهم. وضمير {يرجعون} عائد إلى من عليها وإلى ما عاد إليه ضمير الغيبة في {وأنذرهم}، وحقيقة الإرث: مصير مال الميت إلى من يبقى بعده. وهو هنا مجاز في تمحض التصرف في الشيء دون مشارك. فإن الأرض كانت في تصرف سكانها من الإنسان والحيوان كلّ بما يناسبه، فإذا هلك الناس والحيوان فقد صاروا في باطن الأرض وصارت الأرض في غير تصرفهم فلم يبق تصرف فيها إلا لخالقها، وهو تصرف كان في ظاهر الأمر مشتركاً بمقدار ما خولهم الله التصرف فيها إلى أجلٍ معلوم، فصار الجميع في محض تصرف الله، ومن جملة ذلك تصرفه بالجزاء. وتأكيد جملة {إنا نحن نرث الأرض} بحرف التوكيد لدفع الشك لأن المشركين ينكرون الجزاء، فهم ينكرون أن الله يرث الأرض ومن عليها بهذا المعنى. وأما ضمير الفصل في قوله نحن نرث الأرض فهو لمجرد التأكيد ولا يفيد تخصيصاً، إذ لا يفيد ردّ اعتقادٍ مخالفٍ لذلك. وظهر لي: أن مجيء ضمير الفصل بمجرد التأكيد كثير إذا وقع ضمير الفصل بعد ضمير آخر نحو قوله {إنني أنا الله} في سورة طه (14)، وقوله: {وهم بالأخرة هم كافرون} في سورة يوسف (37). وأفاد هذا التذييل التعريف بتهديد المشركين بأنهم لا مفرّ لهم من الكون في قبضة الربّ الواحد الذي أشركوا بعبادته بعضَ ما على الأرض، وأن آلهتهم ليست بمرجوة لنفعهم إذ ما هي إلاّ مما يرثه الله. وبذلك كان موقع جملة وإلينا يرجعون بيّناً، فالتقديم مفيد القصر، أي لا يرجعون إلى غيرنا. ومحمل هذا التقديم بالنسبة إلى المسلمين الاهتمام ومحمله بالنسبة إلى المشركين القصر كما تقدم في قوله: {إنا نحن نرث الأرض}.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وهذا، وإن الغرور المتمكن في أهل هذه الدنيا أنهم يحسبون في أعمالهم أنهم باقون، ولا يفكرون في الموت، وإن فكروا في الموت لا يفكرون في البعث، وقد أكد سبحانه وتعالى هاتين الحقيقتين الموت والبعث فقال تعالى: {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون}. أخبر الله تعالى عن نفسه بعبارة تدل على عظمة الله وجلاله، وأكد ضمير {إنا} ب {نحن}، للدلالة على أنه لا باقي إلا الله تعالى، والجميع ميت، كما قال تعالى مخاطبا نبيه: {إنك ميت وإنهم ميتون 30 ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون 31} (الزمر)، وقوله تعالى: {نرث الأرض ومن عليها}، أي نحن نرث الأرض ونرث من عليها، فموضع {ومن} في قوله تعالى: {ومن عليها} النصب ب {نرث}، ومعنى وراثتها أنه هو وحده الباقي بعد الأرض ومن فيها فكلها إلى نهاية، وقد شبه وجوده العزيز الجبار بأنه يكون بعدها، كي يكون الوارث بعد المورث، فالمورث يموت والوارث يموت بعده، ولكن الله حي لا يموت، وليس المعنى أن الله يرث الأرض ويرث ما ترك الناس من المال والنسب، فالله غني من المخلوقات كما قال تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد 15} (فاطر)، ثم قال: {وإلينا يرجعون} وهو البعث، وقدم الجار والمجرور عن الفعل الذي يتعلق به، لبيان أن المرجع إليه وحده، وهو وحده مالك يوم الدين يوم الجزاء، يوم القيامة، يوم توفى كل نفس ما كسبت.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

ومهما طال بهم الأمد فمردهم جميعا إلى الله {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون}

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض} فلا مالك لها إلا الله، {وَمَنْ عَلَيْهَا} فهم المملوكون لله في البداية وفي النهاية، {وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} فيحاسبكم على ما قدمتم من خير أو شر؛ فاستعدوا لذلك، واحسبوا حسابه، لتعرفوا كيف تواجهون المسألة، وكيف تؤكدون الموقف على أرضٍ صلبةٍ قويةٍ وقاعدةٍ ثابتةٍ.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ثمّ تحذر الآية الأخيرة من آيات البحث -كل الظالمين والجائرين، وتذكرهم بأن هذه الأموال التي تحت تصرفهم الآن ليست خالدة، كما أن حياتهم ليست خالدة، بل إِنّ الوارث الأخير لكل شيء هو الله سبحانه: (إِنّا نحن نرث الأرض ومن عليها وإِلينا يرجعون).