وقوله - سبحانه - : { إلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ . . . } بيان لمن أرسله الله - تعالى - إليهم .
وفرعون : لقب لكل ملك من ملوك مصر فى تلك العهود السابقة ، والمراد به هنا : ذلك الملك الجبار الظالم الذى أرسل فى عهده موسى - عليه السلام - ، ويقال إنه " منفاخ " بن رمسيس الثانى .
و { هَامَانَ } هو وزير فرعون { قَارُونَ } هو الذى كان من قوم موسى فبغى عليهم . وأعطاه الله - تعالى - الكثير من الأموال . . ثم خسف به وبداره الأرض .
وخص - سبحانه - هؤلاء الثلاثة بالذكر ، مع أن رسالة موسى كانت لهم ولأتباعهم ، لأنهم هم الزعماء البارزون ، الذين كانوا يدبرون المكايد ضد موسى - عليه السلام - فيتبعهم العامة من أقوامهم .
وقوله : { فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ } أرسلنه إلى هؤلاء الطغاة ومعه آياتنا الدالة على صدقه ، فكان جوابهم على دعوته إياهم إلى عبادة الله - تعالى - وحده . أن قالوا فى شأنه ، إنه ساحر يموه على الناس بسحره ، وأنه كذاب فى دعواه أنه رسول من رب العالمين .
وهكذا كانت نتيجة أول لقاء بين موسى - عليه السلام - وبين هؤلاء الطغاة الظالمين . أنهم وصفوه بالسحر والكذب ، وهو المؤيد بآيات الله ، وبحججه الظاهرة . وما وصفوه بذلك إلا من أجل الحسد والعناد ، والحرص على دنياهم وملكهم .
وبعد هذه الإشارة الكلية المجملة يبدأ في عرض نموذج من نماذج الذين كانوا من قبلهم ، وكانوا أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض . فأخذهم الله بذنوبهم . وهم فرعون وقارون وهامان . ومن معهم من المتجبرين الطغاة .
وتنقسم هذه الحلقة من قصة موسى - عليه السلام - إلى مواقف ومناظر ، تبدأ من موقف عرض الرسالة على فرعون وملئه . وتنتهي هنالك في الآخرة ، وهم يتحاجون في النار . وهي رحلة مديدة . ولكن السياق يختار " لقطات " معينة من هذه الرحلة ، هي التي تؤدي الغرض من هذه الحلقة في هذه السورة بالذات :
( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ، إلى فرعون وهامان وقارون ، فقالوا : ساحر كذاب ) . .
هذا هو موقف اللقاء الأول . موسى ومعه آيات الله ، ومعه الهيبة المستمدة من الحق الذي بيده . وفرعون وهامان وقارون . ومعهم باطلهم الزائف وقوتهم الظاهرة ومركزهم الذي يخافون عليه من مواجهة الحق ذي السلطان . . عندئذ لجأوا إلى الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق : ( فقالوا : ساحر كذاب ) . .
{ إِلَى فِرْعَوْنَ } هو : ملك القبط بالديار المصرية ، { وَهَامَانَ } وهو : وزيره في مملكته { وَقَارُونَ } وكان أكثر الناس في زمانه مالا وتجارة { فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } أي : كذبوه وجعلوه ساحرًا مُمَخْرِقًا مموهًا كذابًا في أن الله أرسله . وهذه كقوله [ تعالى ] {[25488]} : { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [ الذاريات 52 ، 53 ] .
يقول تعالى ذكره مُسَلّيا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، عما كان يلقى من مشركي قومه من قريش ، بإعلامه ما لقي موسى ممن أرسل إليه من تكذيب ، ومخبره أنه معليه عليهم ، وجاعل دائرة السّوْء على من حادّه وشاقّة ، كسنته في موسى صلوات الله عليه ، إذا أعلاه ، وأهلك عدوّه فرعون وَلَقَدْ أرْسَلْنَا مُوسَى بآياتِنَا : يعني بأدلته . وَسُلْطانٍ مُبِينٍ ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، وَسُلْطانٍ مُبِينٍ : أي عذرمبين .
يقول : وحججه المبينة لمن يراها أنها حجة محققة ما يدعوا إليه موسى إلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذّابٌ يقول : فقال هؤلاء الذين أرسل إليهم موسى لموسى : هو ساحر يسحر العصا ، فيرى الناظر إليها أنها حية تسعى ، كذّاب يقول : يكذب على الله ، ويزعم أنه أرسله إلى الناس رسولاً .
وجملة : { فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّاب } معترضة بين جملة { ولقد أرْسَلْنَا موسى } وبين جملة { فَلَمَّا جَاءَهم بِالحَقّ } [ غافر : 25 ] .
وقَارون هو من بني إسرائيل كذب موسى ، وتقدم ذكره في القصص ، وقد قيل إنه كان منقطعاً إلى فرعون وخادماً له ، وهذا بعيد لأنه كان في زمرة من خرج مع موسى ، أي فاشترك أولئك في رمي رسولهم بالكذب والسحر كما فعلت قريش .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إلى فرعون وهامان وقارون} فلما رأوا اليد والعصا قالوا ليستا من الله بل موسى ساحر في اليد حين أخرجها بيضاء، والعصا حين صارت حية.
{فقالوا ساحر كذاب} حين زعم أنه رسول رب العالمين.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مُسَلّيا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، عما كان يلقى من مشركي قومه من قريش، بإعلامه ما لقي موسى ممن أرسل إليه من تكذيب، ومخبره أنه معليه عليهم، وجاعل دائرة السّوْء على من حادّه وشاقّة، كسنته في موسى صلوات الله عليه، إذا أعلاه، وأهلك عدوّه فرعون:"وَلَقَدْ أرْسَلْنَا مُوسَى بآياتِنَا": يعني بأدلته، "وَسُلْطانٍ مُبِينٍ"...
يقول: وحججه المبينة لمن يراها أنها حجة محققة ما يدعو إليه موسى، "إلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذّابٌ "يقول: فقال هؤلاء الذين أرسل إليهم موسى لموسى: هو ساحر يسحر العصا، فيرى الناظر إليها أنها حية تسعى، "كذّاب "يقول: يكذب على الله، ويزعم أنه أرسله إلى الناس رسولاً.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ} ليعلم أنه كان مبعوثا إلى الكل، لم يُبعث إلى بعض دون بعض.
{فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} دل قولهم: {ساحر كذّاب} على أن موسى عليه السلام قد أتاهم من الآيات والحجج ما عجزوا عن إتيان مثلها والمقابلة لها، فخافوا أن يتبعه الناس لذلك، فموّهوا بقولهم: {ساحر كذّاب}.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
خص تعالى {هامان وقارون} بالذكر تنبيهاً على مكانهما من الكفر، ولكونهما أشهر رجال فرعون.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
" إلى فرعون وهامان وقارون "خصهم بالذكر لأن مدار التدبير في عداوة موسى كان عليهم، ففرعون الملك وهامان الوزير وقارون صاحب الأموال والكنوز فجمعه الله معهما؛ لأن عمله في الكفر والتكذيب كأعمالهما.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان الأكابر أول من يتوجه إليه الأمر؛ لأن بانقيادهم ينقاد غيرهم قال:
ولما كان من أعجب العجب أن يكذب الرسول من جاء لنصرته واستنقاذه من شدته قال: {وقارون} أي قريب موسى عليه السلام.
{فقالوا} أي هؤلاء ومن تبعهم، أما من عدا قارون فأولاً وآخراً بالقوة والفعل، وأما قارون ففعله آخراً بين أنه مطبوع على الكفر وإن آمن أولاً، وإن هذا كان قوله وإن لم يقله بالفعل في ذلك الزمان فقد قاله في التيه، فدل ذلك على أنه لم يزل قائلاً به؛ لأنه لم يتب منه.
{ساحر} لعجزهم عن مقاهرته، ولم يقل، "سحار "لئلا يتوهم أحد أنه يمدحه بالبراعة في علم السحر فتتحرك الهمم للإقبال عليه للاستفادة منه، وهو خبر مبتدأ محذوف.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذا هو موقف اللقاء الأول. موسى ومعه آيات الله، ومعه الهيبة المستمدة من الحق الذي بيده. وفرعون وهامان وقارون ومعهم باطلهم الزائف وقوتهم الظاهرة ومركزهم الذي يخافون عليه من مواجهة الحق ذي السلطان.. عندئذ لجأوا إلى الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق: (فقالوا: ساحر كذاب)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة: {فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّاب} معترضة بين جملة {ولقد أرْسَلْنَا موسى} وبين جملة {فَلَمَّا جَاءَهم بِالحَقّ} [غافر: 25].
وقَارون هو من بني إسرائيل كذب موسى، وتقدم ذكره في القصص، وقد قيل إنه كان منقطعاً إلى فرعون وخادماً له، وهذا بعيد لأنه كان في زمرة من خرج مع موسى، أي فاشترك أولئك في رمي رسولهم بالكذب والسحر كما فعلت قريش.