التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّكُمۡ لَفِي قَوۡلٖ مُّخۡتَلِفٖ} (8)

ثم أقسم - سبحانه - قسما آخر بالسماء ذات الحبك فقال : { والسمآء ذَاتِ الحبك إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } .

والحبك : جمع حَبِيكة ، كطريقة - وزنا ومعنى - ، أو جمع حِبَاك - كمُثُل ومِثَال - ، والحبيكة والحباك . الطريقة فى الرمل وما يشبهه . أى : وحق السماء ذات الطرق المتعددة ، والتى لا ترونها بأعينكم لبعدها عنكم .

ويرى بعضهم أن معنى ذات الحبك : ذات الخَلْق الحسن المحكم . . . أو ذات الزينة والجمال .

قال القرطبى : وفى الحبك أقوال : الأول : قال : ابن عباس : ذات الخلْق الحسن المستوى يقال ، حبَك فلان الثوب يحبِكُه - بكسر الباء - إذا أجاد نسجه .

الثانى : ذات الزينة . الثالث : ذات النجوم ، الرابع : ذات الطرائق . ولكنها تبعد من العباد فلا يرونها . الخامس : ذات الشدة . .

وقوله : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } جواب القسم . وقوله : { يُؤْفَكُ عَنْهُ . . . } من الأفْك - بفتح الهمزة وسكون الفاء - بمعنى الصرف للشىء عن وجهه الذى يجب أن يكون عليه .

والضمير فى " عنه " يعود إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أو إلى القرآن الكريم .

فيكون المعنى : وحق السماء ذات الطرق المتعددة ، وذات الهيئة البديعة المحكمة الجميلة . . . إنكم - أيها المشركون - " لفى قول مختلف " أى : متناقض متخالف ، فمنكم من يقول عن القرآن الكريم أنه : أساطير الأولين ، ومنكم من يقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - : إنه ساحر أو مجنون .

والحق أنه يصرف عن الإيمان بهذا القرآن الكريم الذى جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من صرفه الله - تعالى - عنه ، بسبب إيثاره الغى على الرشد ، والضلالة على الهداية ، والكفر على الإيمان .

والتعبير بقوله : { مَنْ أُفِكَ } للإشعار بأن هذا الشقى الذى آثر الكفر على الإيمان ، قد صرف عن الرشاد وعن الخير صرفا ، ليس هناك ما هو أشد منه فى سوء العاقبة .

فهذا التعبير شبيه فى التهويل بقوله - تعالى - : { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ } قال الجمل : { يُؤْفَكُ } يصرف { عَنْهُ } عن النبى - صلى الله عليه وسلم - والقرآن الكريم . أى : عن الإيمان به { مَنْ أُفِكَ } أى : من صرف عن الهداية فى علم الله - تعالى - .

وقيل : الضمير للقول المذكور ، أى : يرتد ، أى : يصرف عن هذا القول من صرف عنه فى علم الله - تعالى - وهم المؤمنون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّكُمۡ لَفِي قَوۡلٖ مُّخۡتَلِفٖ} (8)

يقسم بالسماء المنسقة المحبوكة على أنهم في قول مختلف ، مضطرب لا قوام له ولا قرار ، ولا ثبات له ولا استقرار ، يصرف عنه من صرف ويبقى عليه من بقي ، فلا استقرار عليه ولا توافق ولا ثبات . بل الحيرة دائمة والقلق لا يزال . وكذلك الباطل دائما أرض مرجرجة مهتزة ؛ وتيه لا معالم فيه ولا نور ؛ وهو يتأرجح ولا يفيء إلى أصل ثابت ، ولا ميزان دقيق . ولا يجتمع عليه أهله إلا لينصرفوا ويتفرقوا بعد حين ؛ ويدب الخلاف بينهم والشقاق . .

ويتضح اضطرابهم واختلافهم وما هم فيه من الأمر المريج : حين يعرض في ظل السماء ذات الحبك المنسقة التركيب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّكُمۡ لَفِي قَوۡلٖ مُّخۡتَلِفٖ} (8)

وقوله : إنّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يقول : إنكم أيها الناس لفي قول مختلف في هذا القرآن ، فمن مصدّق به ومكذّب . كما :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة إنّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ قال : مصدّق بهذا القرآن ومكذّب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ قال : يتخرّصون يقولون : هذا سحر ، ويقولون : هذا أساطير ، فبأيّ قولهم يؤخذ ، قتل الخرّاصون هذا الرجل ، لا بدّ له من أن يكون فيه أحد هؤلاء ، فما لكم لا تأخذون أحد هؤلاء ، وقد رميتموه بأقاويل شتى ، فبأيّ هذا القول تأخذون ، هذا الرجل الاَن فهو قول مختلف . قال : فذكر أنه تخرّص منهم ليس لهم بذلك علم قالوا : فما منع هذا القرآن أن ينزل باللسان الذي نزلت به الكتب من قبلك ، فقال الله : أعجميّ وعربيّ ؟ لو جعلنا هذا القرآن أعجميا لقلتم نحن عرب وهذا القرآن أأعجميّ ، فكيف يجتمعان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّكُمۡ لَفِي قَوۡلٖ مُّخۡتَلِفٖ} (8)

{ إنكم لفي قول مختلف } في الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قولهم تارة أنه { شاعر } وتارة أنه { ساحر } وتارة أنه { مجنون } ، أو في القرآن أو القيامة أو أمر الديانة ، ولعل النكتة في هذا القسم تشبيه أقوالهم في اختلافها وتنافي أغراضها بطرائق السموات في تباعدها واختلاف غاياتها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّكُمۡ لَفِي قَوۡلٖ مُّخۡتَلِفٖ} (8)

وقوله تعالى : { إنكم لفي قول مختلف } ، يحتمل أن يكون خطاباً لجميع الناس مؤمن وكافر ، أي اختلفتم بأن قال فريق منكم : آمنا بمحمد وكتابه ، وقال فريق آخر : كفرنا ، وهذا قول قتادة . ويحتمل أن يكون خطاباً للكفرة فقط ، أي : أنتم في جنس من الأقوال مختلف في نفسه ، قوم منكم يقولون : ساحر ، وقوم : كاهن ، وقوم : شاعر ، وقوم : مجنون إلى غير ذلك ، وهذا قول ابن زيد والضمير في : { عنه } قال الحسن وقتادة : هو عائد على محمد أو كتابه وشرعه .