مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (86)

ثم قال تعالى : { فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين }

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : ظاهر الآية يدل على أنهم إنما استحقوا ذلك الثواب بمجرد القول لأنه تعالى قال : { فأثابهم الله بما قالوا } وذلك غير ممكن لأن مجرد القول لا يفيد الثواب .

وأجابوا عنه من وجهين :

الأول : أنه قد سبق من وصفهم ما يدل على إخلاصهم فيما قالوا ، وهو المعرفة ، وذلك هو قوله { مما عرفوا من الحق } فلما حصلت المعرفة والإخلاص وكمال الانقياد ثم انضاف إليه القول لا جرم كمل الإيمان .

الثاني : روى عطاء عن ابن عباس أنه قال قوله { بما قالوا } يريد بما سألوا ، يعني قولهم { فاكتبنا مع الشاهدين } .

المسألة الثانية : الآية دالة على أن المؤمن الفاسق لا يبقى مخلدا في النار ، وبيانه من وجهين :

الأول : أنه تعالى قال : { وذلك جزاء المحسنين } وهذا الإحسان لابد وأن يكون هو الذي تقدم ذكره من المعرفة وهو قوله { مما عرفوا من الحق } ومن الإقرار به ، وهو قوله { فأثابهم الله بما قالوا } وإذا كان كذلك ، فهذه الآية دالة على أن هذه المعرفة ، وهذا الإقرار يوجب أن يحصل له هذا الثواب ، وصاحب الكبيرة له هذه المعرفة وهذا الإقرار ، فوجب أن يحصل له هذا الثواب ، فأما أن ينقل من الجنة إلى النار وهو باطل بالإجماع ، أو يقال : يعاقب على ذنبه ثم ينقل إلى الجنة وذلك هو المطلوب .

الثاني : هو أنه تعالى قال : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم } فقوله { أولئك أصحاب الجحيم } يفيد الحصر ، أي أولئك أصحاب الجحيم لا غيرهم ، والمصاحب للشيء هو الملازم له الذي لا ينفك عنه ، فهذا يقتضي تخصيص هذا الدوام بالكفار ، فصارت هذه الآية من هذين الوجهين من أقوى الدلائل على أن الخلود في النار لا يحصل للمؤمن الفاسق .