المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ وَإِنَّا بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (30)

ثم أخبر تعالى عنهم على جهة التقريع بأنهم { قالوا } للقرآن : { هذا سحر } وأنهم كفروا به ، وإنما جعلوه بزعمهم سحراً من حيث كان عندهم يفرق بين المرء وولده وزوجه ، فجعلوه لذلك كالسحر ، ولم ينظروا إلى الفرق في أن المفارق بالقرآن يفارق عن بصيرة في الدين ، والمفارق بالسحر يفارق عن خلل في ذهنه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ وَإِنَّا بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (30)

تعجيب من حال تغافلهم ، أي قد كان لهم بعض العذر قبل مجيء الرّسول صلى الله عليه وسلم والقرآن لأن للغفلات المتقادمة غشاوة تُصَيِّر الغفلة جهالة ، فكان الشأن أن يستيقظوا لمَّا جاءهم الحق ورسول مبين فيتذكروا كلمة أبيهم إبراهيم ، ولكنهم لما جاءهم الحق قالوا : هذا سِحر ، أي قالوا للرّسول : هذا ساحر ، فازدادوا رَيْناً على رَيْن .

فالخبر مستعمل في التعجيب لا في إفادة صدور هذا القول منهم لأن ذلك معلوم لهم وللمسلمين . وفي تعقيب الغاية بهذا الكلام إيذان بأن تمتيعهم أصبح على وشك الانتهاء .

فجملة { ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر } معطوفة على جملة { حتى جاءهم الحق } [ الزخرف : 29 ] فإن { لما } توقيتية فهي في قوة { حتى الغائيَّة كأنه قيل : متعت هؤلاء وآباءهم ، فلما جاءهم الحق عقِبَ ذلك التمتيع لم يستفيقوا من غفلتهم وقالوا : هذا سحر ، أي كانوا قبل مجيء الحق مشركين عن غفلة وتساهل ، فلما جاءهم الحق صاروا مشركين عن عناد ومكابرة .

وجملة { وإنا به كافرون } مقول ثاننٍ ، أي قالوا : هذا سحر فلا نلتفت إليه وقالوا إنا به ، أي بالقرآن ، كافرون ، أي سواء كان سحراً أم غيره ، أي فرضوا أنه سحر ثم ارتقوا فقالوا إنّا به كافرون ، أي كافرون بأنه من عند الله سواء كان سحراً أم شعراً أم أساطيرَ الأولين . ولهذا المعنى أكدوا الخبر بحرف التأكيد ليُؤْيسوا الرّسول صلى الله عليه وسلم من إيمانهم به .