الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ قَالُواْ هَٰذَا سِحۡرٞ وَإِنَّا بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (30)

فإن قلت : قد جعل مجيء الحق والرسول غاية التمتيع ، ثم أردفه قوله : { وَلَمَّا جَاءَهُمُ الحق قَالُواْ هذا سِحْرٌ } فما طريقه هذا النظم ومؤداه ؟ قلت : المراد بالتمتيع ما هو سبب له ، وهو اشتغالهم بالاستمتاع عن التوحيد ومقتضياته ، فقال : بل اشتغلوا عن التوحيد حتى جاءهم الحق ورسول مبين ، فخيل بهذه الغاية أنهم تنبهوا عندها عن غفلتهم لاقتضائها التنبه ، ثم ابتدأ قصتهم عند مجيء الحق فقال : ولما جاءهم الحق جاؤوا بما هو شر من غفلتهم التي كانوا عليها : وهو أن ضموا إلى شركهم معاندة الحق ، ومكابرة الرسول ، ومعاداته ، والاستخفاف بكتاب الله وشرائعه ، والإصرار على أفعال الكفرة والاحتكام على حكمة الله في تخير محمد من أهل زمانه بقولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ } .