( فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ) . .
وقد خسف بقرى لوط بظاهرة تشبه ظاهرة الزلازل أو البراكين وتصاحبها أحيانا ظاهرة الخسف وتناثر أحجار ملوثة بالطين وهبوط مدن بكاملها تسيح في الأرض . ويقال : إن بحيرة لوط الحالية وجدت بعد هذا الحادث ، بعد انقلاب عمورة وسدوم في باطن الأرض ، وهبوط مكانها وامتلائه بالماء . ولكننا لا نعلل ما وقع لهم بأنه كان زلزالا أو بركانا عابرا مما يقع في كل حين . . فالمنهج الإيماني الذي نحرص عليه في هذه الظلال يبعد كل البعد عن هذه المحاولة !
إننا نعلم علم اليقين أن الظواهر الكونية كلها تجري وفق ناموس الله الذي أودعه هذا الكون . ولكن كل ظاهرة وكل حدث في هذا الكون لا يقع بأية حتمية إنما يقع وفق قدر خاص به . بلا تعارض بين ثبات الناموس وجريان المشيئة بقدر خاص لكل حدث . . كذلك نحن نعلم علم اليقين أن الله سبحانه يجري في حالات معينة أقدارا معينة بأحداث معينة لوجهة معينة . وليس من الضروري أن يكون ذلك الذي دمر قرى لوط زلزال أو بركان عادي ؛ فقد يريد الله أن ينزل بهم ما يشاء ، وقتما يشاء ، فيكون ما يشاء ، وفق ما يشاء . . وهذا هو المنهج الإيماني في تفسير معجزات الرسل أجمعين .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فجعلنا عالي أرضهم سافلَها، وأمطرنا عليهم حِجارة من سجّيل...
عن عكرمة:"وَأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ" أي: من طين.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"فجعلنا عاليها سافلها" والجعل: حصول الشيء على وجه لم يكن بقادر عليه لولا الجعل، ومثله التصيير، والمعنى: إنه قلب القرية فجعل أسفلها أعلاها وأعلاها أسفلها. "وأمطرنا عليهم حجارة" أي: أرسلنا الحجارة، كما يرسل المطر، "من سجيل" وقيل في معناه قولان:
أحدهما: أنها من طين وهو معرب. وقيل هو من السجل، لأنه كان عليها أمثال الخواتيم بدلالة قوله "حجارة من طين مسومة عند ربك".
والثاني: أنها حجارة معدة عند الله تعالى للمجرمين، وأصله (سجين) فأبدلت النون لاما.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مّن سِجّيلٍ} قيل: من طين، عليه كتاب من السجل، ودليله قوله تعالى: {حِجَارَةً مّن طِينٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبّكَ} [الذاريات: 33 -34] أي معلمة بكتاب.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
...بين سبحانه ما تسبب عن الصيحة متعقباً لها فقال: {فجعلنا عاليها} أي مدائنهم {سافلها وأمطرنا}. ولما كان الزجر في هذه السورة أعظم من الزجر في سورة هود عليه السلام لطلبهم أن يأتي بجميع الملائكة، أعاد الضمير على المعذبين لا على مدنهم -كما مضى في سورة هود عليه السلام- لأن هذا أصرح، فقال: {عليهم} أي أهل المدائن التي قلبت المدائن لأجلهم {حجارة من سجيل}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل).. وقد خسف بقرى لوط بظاهرة تشبه ظاهرة الزلازل أو البراكين وتصاحبها أحيانا ظاهرة الخسف وتناثر أحجار ملوثة بالطين وهبوط مدن بكاملها تسيح في الأرض. ويقال: إن بحيرة لوط الحالية وجدت بعد هذا الحادث، بعد انقلاب عمورة وسدوم في باطن الأرض، وهبوط مكانها وامتلائه بالماء. ولكننا لا نعلل ما وقع لهم بأنه كان زلزالا أو بركانا عابرا مما يقع في كل حين.. فالمنهج الإيماني الذي نحرص عليه في هذه الظلال يبعد كل البعد عن هذه المحاولة! إننا نعلم علم اليقين أن الظواهر الكونية كلها تجري وفق ناموس الله الذي أودعه هذا الكون. ولكن كل ظاهرة وكل حدث في هذا الكون لا يقع بأية حتمية إنما يقع وفق قدر خاص به. بلا تعارض بين ثبات الناموس وجريان المشيئة بقدر خاص لكل حدث.. كذلك نحن نعلم علم اليقين أن الله سبحانه يجري في حالات معينة أقدارا معينة بأحداث معينة لوجهة معينة. وليس من الضروري أن يكون ذلك الذي دمر قرى لوط زلزال أو بركان عادي؛ فقد يريد الله أن ينزل بهم ما يشاء، وقتما يشاء، فيكون ما يشاء، وفق ما يشاء.. وهذا هو المنهج الإيماني في تفسير معجزات الرسل أجمعين.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
ويلاحظ أنه عبر في قوله: {أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} فعبر بلفظ الإصباح، وهنا في هذه الآية عبر بمشرقين، وكان التعبير الأول مناسبا للآية؛ لأنه كان والملائكة يأمرون لوطا والأبرار معه بالخروج، فكان المناسب التعبير بالإصباح باعتباره نهاية الليل. وعبر هنا بالإشراق باعتباره أول النهار، وهو وقت، إذ المناسب في ذلك أن يستقبلوا النهار المشرق بتلك الداهية الدهياء التي تجعل نهارهم أسود من قلوبهم المربدة بأقبح السوء.
ومادام عاليها قد صار أسفلها، فهذا لون من الانتقام المنظم الموجه؛ ولو لم يكن انتقاماً منظماً؛ لانقلب بعض ما في تلك المدينة على الجانب الأيمن أو الأيسر. ولكن شاء الحق سبحانه أن يأتي لنا بصورة ما حدث، ليدلنا على قدرته على أن يفعل ما شاء كما يشاء. وأمطرهم الحق سبحانه بحجارة من سجيل؛ كتلك التي أمطر بها من هاجموا الكعبة في عام ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي حجارة صنعت من طين لا يعلم كنهه إلا الله سبحانه، والطين إذا تحجر سمى "سجيلاً". والحق سبحانه هو القائل عن نفس هذا الموقف في سورة الذاريات: {لنرسل عليهم حجارة من طينٍ} (سورة الذاريات 33) وقد أرسل الحق سبحانه تلك الحجارة عليهم ليبيدهم، فلا يبقى منهم أحداً.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
...ثمّ إِنّ نزول هذا العذاب ذي المراحل الثلاث (الصيحة الرهيبة، قلب المدينة، المطر الحجري) رغم أن كل واحدة منهن كانت تكفي لقطع دابر القوم كان لمضاعفة عذابهم لشدّة فسادهم وجسارتهم وإِصرارهم على إِدامة التلوّث بتلك القبائح الشنيعة، وكي يكون عبرة لمن يعتبر.