وهذا إخبار عن حال الأشقياء إذا أعطي أحدهم كتابه في العَرَصات بشماله ، فحينئذ يندم غاية الندم ، فيقول : { فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ }
قال الضحاك : يعني موته لا حياة بعدها . وكذا قال محمد بن كعب ، والربيع ، والسدي .
وقال قتادة : تمنى{[29297]} الموت ، ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه .
وجملة { ولم أدْرِ ما حسابيه } في موضع الحال من ضمير { لَيتَني } .
والمعنى : إنه كان مكذباً بالحساب وهو مقابل قول الذي أوتي كتابه بيمينه : { إِني ظننتُ أني ملاقٍ حسابيه } [ الحاقة : 20 ] .
وجملة الحال معترضة بين جملتي التمني .
ويجوز أن يكون عطفاً على التمني ، أي يا ليتني لم أدر مَا حسابيَه ، أي لم أعرِف كنه حسابي ، أي نتيجته ، وهذا وإن كان في معنى التمني الذي قبله فإِعادته تكرير لأجْل التحسر والتحزن .
و { ما } استفهامية ، والاستفهام بها هو الذي عَلَّق فعل { أدْرِ } عن العمل ، و { يا ليتها كانت القاضية } تمنَ آخر ولم يعطف على التمنّي الأول لأن المقصود التحسر والتندم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وأما من أعطى يومئذٍ كتاب أعماله بشماله، فيقول: يا ليتني لم أعط كتابيه،" وَلَمْ أدْرِ ما حِسابِيَهْ "يقول: ولم أدر أيّ شيء حسابيه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يقول هذا في الوقت الذي قرأ، ورأى فيه خلاف ما كان يظن في الدنيا، ويحسب، لأنه كان يحسب أنه في الدنيا أحسن صنعا من الذين آمنوا، وأنه أقرب منزلة إلى الله تعالى كما قال {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [الكهف: 104] فظهر له بقراءة الكتاب أنه لم يكن على ما حسب، بل قد أساء صنعه، فود عند ذلك ألا يعرف ما حسابه لئلا تظهر مساوئه.
ويحتمل أنه يتمنى أنه ترك ميتا، ولم يحي حتى كان لا يرى الحساب، ولا يعرفه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والذين يؤتون كتابهم بشمائلهم: هم المخلدون في النار أهل الكفر فيتمنون أن لو كانوا معدومين لا يجري عليهم شيء.
زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :
لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب. إنما كلُّه عليه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ولم} أي ويا ليتني لم {أدر} ولو حاولت الدراية {ما} أي حقيقة {حسابيه} من ذكر العمل وذكر جزائه، بل استمريت جاهلاً لذلك كما كنت في الدنيا
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وأما من أوتي كتابه بشماله) وعرف أنه مؤاخذ بسيئاته، وأن إلى العذاب مصيره، فيقف في هذا المعرض الحافل الحاشد، وقفة المتحسر الكسير الكئيب.. (فيقول: يا ليتني لم أوت كتابيه! ولم أدر ما حسابيه! يا ليتها كانت القاضية! ما أغنى عني ماليه! هلك عني سلطانيه!).. وهي وقفة طويلة، وحسرة مديدة، ونغمة يائسة، ولهجة بائسة. والسياق يطيل عرض هذه الوقفة حتى ليخيل إلى السامع أنها لاتنتهي إلى نهاية، وأن هذا التفجع والتحسر سيمضي بلا غاية! وذلك من عجائب العرض في إطالة بعض المواقف، وتقصير بعضها، وفق الإيحاء النفسي الذي يريد أن يتركه في النفوس. وهنا يراد طبع موقف الحسرة وإيحاء الفجيعة من وراء هذا المشهد الحسير. ومن ثم يطول ويطول، في تنغيم وتفصيل. ويتمنى ذلك البائس أنه لم يأت هذا الموقف، ولم يؤت كتابه، ولم يدر ما حسابه؛ ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أي لم أعرِف كنه حسابي، أي نتيجته، وهذا وإن كان في معنى التمني الذي قبله، فإِعادته تكرير لأجْل التحسر والتحزن.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.