والفاء فى قوله - تعالى - { فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم } للإِفصاح . أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لك من أن هذا الدين حق ، وأن البعث حق ، وأن القرآن حق ، فنزه اسم ربك العظيم عما لا يليق به ، من النقائص ، فى الاعتقاد أو فى العبادة ، أو فى القول ، أو فى الفعل .
والباء فى قوله : { باسم رَبِّكَ } للمصاحبة . أى : نزه ربك تنزيها مصحوبا بكل ما يليق به من طاعة وإخلاص ومواظبة على مراقبته وتقواه .
تفريع على جميع ما تقدم من وصف القرآن وتنزيهه على المطاعن وتنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عما افتراه عليه المشركون ، وعلى ما أيده الله به من ضرب المثل للمكذبين به بالأمم التي كذبت الرسل ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسبح الله تسبيح ثناء وتعظيم شكراً له على ما أنعم به عليه من نعمة الرسالة وإنزال هذا القرآن عليه .
واسم الله هو العَلَم الدال على الذات .
والباء للمصاحبة ، أي سبح الله تسبيحاً بالقول لأنه يجمع اعتقاد التنزيه والإقرارَ به وإشاعته .
والتسبيح : التنزيه عن النقائص بالاعتقاد والعبادةِ والقول ، فتعين أن يجري في التسبيح القولي اسم المنزِّه فلذلك قال { فسبح باسم ربك } ولم يقل فسبح ربَّك العظيم . وقد تقدم في الكلام على البسملة وجه إقحام اسم في قوله : { بسم الله الرحمن الرحيم } [ الفاتحة : 1 ] .
وتسبيح المُنعم بالاعتقاد والقول وهما مستطاع شكر الشاكرين إذ لا يُبلغ إلى شكره بأقصى من ذلك ، قال ابن عطية : وفي ضمن ذلك استمرار النبي صلى الله عليه وسلم على أداء رسالته وإبلاغها . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمّا نزلت هذه الآية « اجعلوها في ركوعكم » واستحَب التزامَ ذلك جماعة من العلماء ، وكره مالك التزام ذلك لئلا يعد واجباً فرضاً اه . وتقدم نظير هذه الآية في آخر سورة الواقعة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"فَسَبّحْ باسْمِ رَبّكَ العَظِيمِ" بذكر ربك.
وتسميته "العظيم"، الذي كلّ شيء في عظمته صغير.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قيل: صل، وقيل: اذكره بالاسم الذي إذا سميت كان تسبيحا أي تنزيها عن كل ما قالت فيه الملاحدة، وما نسبت إليه، مما لا يليق به. والله اعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم قال لنبيه (فسبح) يا محمد، والمراد به جميع المكلفين...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَسَبِّحْ} اللَّه بذكر اسمه العظيم وهو قوله: سبحان اللَّه؛ وأعبده شكراً على ما أهلك له من إيحائه إليك.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أمر تعالى نبيه بالتسبيح باسمه العظيم. وفي ضمن ذلك الاستمرار على رسالته والمضي لأدائها وإبلاغها.
إما شكرا على ما جعلك أهلا لإيحائه إليك، وإما تنزيها له عن الرضا بأن ينسب إليه الكاذب من الوحي ما هو بريء عنه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان البعث لهذا المقصد من أعظم الكمال، وكان عدمه موجباً للنقص، سبب عن كلا الأمرين إشارة وعبارة قوله آمراً بعد الإخبار في أول المسبحات: {فسبح} أي أوقع التنزيه الكامل عن كل شائبة نقص {باسم} أي بسبب علمك بصفات {ربك} أي الموجد والمربي لك والمحسن إليك بأنواع الإحسان {العظيم} الذي ملأت الأقطار كلها عظمته، وزادت على ذلك بما شاءه سبحانه مما لا تسعه العقول لا سيما عن قولهم: لن يعيدنا، فإنه سبحانه وتعالى قادر على ذلك لا يعجزه شيء، وقد وعد بذلك وهو صادق الوعد، وعدم البعث مخل بالحكمة لظلم أكثر الناس، وفيه إشارة إلى المتاركة، وتعجيب من حالهم في تصميمهم على الكذب والعناد، والجلد على الجدل والفساد، فقد رجع آخر السورة على أولها بإحقاق الحاقة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هنا يجيء التلقين العلوي للرسول الكريم، في أنسب وقت وأنسب حالة لهذا التلقين (فسبح باسم ربك العظيم)..
والتسبيح بما فيه من تنزيه وتمجيد. وبما فيه من اعتراف وتحقيق. وبما فيه من عبودية وخشوع... هو الشعور الذي يخالج القلب، بعد هذا التقرير الأخير، وبعد ذلك الاستعراض الطويل، لقدرة الله العظيم، وعظمة الرب الكريم..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تفريع على جميع ما تقدم من وصف القرآن وتنزيهه على المطاعن، وتنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عما افتراه عليه المشركون، وعلى ما أيده الله به من ضرب المثل للمكذبين به بالأمم التي كذبت الرسل، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسبح الله تسبيح ثناء وتعظيم شكراً له على ما أنعم به عليه من نعمة الرسالة وإنزال هذا القرآن عليه...
أي سبح الله تسبيحاً بالقول لأنه يجمع اعتقاد التنزيه والإقرارَ به وإشاعته.
والتسبيح: التنزيه عن النقائص بالاعتقاد والعبادةِ والقول، فتعين أن يجري في التسبيح القولي اسم المنزِّه فلذلك قال {فسبح باسم ربك} ولم يقل فسبح ربَّك العظيم...
وتسبيح المُنعم بالاعتقاد والقول وهما مستطاع شكر الشاكرين إذ لا يُبلغ إلى شكره بأقصى من ذلك.
ثم ينهي الحق سبحانه سورة الحاقة فيقول: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}
فنزه الحق سبحانه عن أن يكون له شريك في أمور الخلق والكون، بل هو سبحانه العظيم في قدرته، العظيم في رحمته، العظيم في حكمته، العظيم في قيوميته على كونه وخلقه، العظيم في علمه، العظيم في ثوابه، العظيم في جزائه.