فقال الله : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى } أي : أعطيت جميع ما طلبت ، فسنشرح صدرك ، ونيسر أمرك ، ونحل عقدة من لسانك ، يفقهوا قولك ، ونشد عضدك بأخيك هارون ، { ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون }
وهذا السؤال من موسى عليه السلام ، يدل على كمال معرفته بالله ، وكمال فطنته ومعرفته للأمور ، وكمال نصحه ، وذلك أن الداعي إلى الله ، المرشد للخلق ، خصوصا إذا كان المدعو من أهل العناد والتكبر والطغيان يحتاج إلى سعة صدر ، وحلم تام ، على ما يصيبه من الأذى ، ولسان فصيح ، يتمكن من التعبير به عن ما يريده ويقصده ، بل الفصاحة والبلاغة لصاحب هذا المقام ، من ألزم ما يكون ، لكثرة المراجعات والمراوضات ، ولحاجته لتحسين الحق ، وتزيينه بما يقدر عليه ، ليحببه إلى النفوس ، وإلى تقبيح الباطل وتهجينه ، لينفر عنه ، ويحتاج مع ذلك أيضا ، أن يتيسر له أمره ، فيأتي البيوت من أبوابها ، ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، يعامل الناس كلا بحسب حاله ، وتمام ذلك ، أن يكون لمن هذه صفته ، أعوان ووزراء ، يساعدونه على مطلوبه ، لأن الأصوات إذا كثرت ، لا بد أن تؤثر ، فلذلك سأل عليه الصلاة والسلام هذه الأمور فأعطيها .
وإذا نظرت إلى حالة الأنبياء المرسلين إلى الخلق ، رأيتهم بهذه الحال ، بحسب أحوالهم خصوصا ، خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه في الذروة العليا من كل صفة كمال ، وله من شرح الصدر ، وتيسير الأمر ، وفصاحة اللسان ، وحسن التعبير والبيان ، والأعوان على الحق من الصحابة ، فمن بعدهم ، ما ليس لغيره .
قوله - سبحانك - : { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى } حكاية لما رد الله - تعالى - به على نبيه موسى - عليه السلام - بعد أن تضرع إليه بتلك الدعوات النافعات .
والسؤال هنا بمعنى المسئول ، كالأكل بمعنى المأكول .
قال الآلوسى : " والإيتاء : عبارة عن تعلق إرادته - تعالى - بوقوع تلك المطالب وحصولها له - عليه السلام - ألبتة ، وتقديره - تعالى - إياها حتما ، فكلها حاصلة له - عليه السلام - وإن كان وقوع بعضها بالفعل مرتبا بعد ، كتيسير الأمر ، وشد الأزر . .
أى : قال الله - تعالى - لموسى بعد أن ابتهل إليه - سبحانه - بما ابتهل : لقد أجبنا دعاءك يا موسى ، وأعطيناك ما سألتنا إياه ، فطل نفسا وقر عينا .
لقد أطال موسى سؤله ، وبسط حاجته ، وكشف عن ضعفه ، وطلب العون والتيسير والاتصال الكثير . وربه يسمع له ، وهو ضعيف في حضرته ، ناداه وناجاه . فها هو ذا الكريم المنان لا يخجل ضيفه ، ولا يرد سائله ، ولا يبطى ء عليه بالإجابة الكاملة :
( قال : قد أوتيت سؤلك يا موسى ) :
هكذا مرة واحدة ، في كلمة واحدة . فيها إجمال يغني عن التفصيل . وفيها إنجاز لا وعد ولا تأجيل . . كل ما سألته أعطيته . أعطيته فعلا . لا تعطاه ولاستعطاه ? وفيها مع الإنجاز عطف وتكريم وإيناس بندائه باسمه : ( يا موسى )وأي تكريم أكبر من أن يذكر الكبير المتعال اسم عبد من العباد ?
وإلى هنا كفاية وفضل من التكريم والعطف والإيناس . وقد طال التجلي ؛ وطال النجاء ؛ وأجيب السؤل وقضيت الحاجة . . ولكن فضل الله لا خازن له ، ورحمة الله لا ممسك لها . فهو يغمر عبده بمزيد من فضله وفيض من رضاه ، فيستبقيه في حضرته ، ويمد في نجائه وهو يذكره بسابق نعمته ، ليزيده اطمئنانا وأنسا بموصول رحمته وقديم رعايته . وكل لحظة تمر وهو في هذا المقام الوضيء هي متاع ونعمى وزاد ورصيد .
قوله { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى } وعد له بالإجابة ، وتصديق له فيما توسمه من المصالح فيما سأله لنفسه ولأخيه .
والسُؤْلُ بمعنى المسؤول . وهو وزن فُعْل بمعنى مفعول كالخُبز بمعنى المخبوز ، والأكْل بمعنى المأكول . وهذا يدل على أن العقدة زالت عن لسانه ، ولذلك لم يحك فيما بعد أنّه أقام هارون بمجادلة فرعون . ووقع في التّوراة في الإصحاح السابع من سفر الخروج : « فقال الرب لموسى أنت تتكلّم بكلّ ما أمرك به وهارون أخوك يكلّم فرعون » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.