{ 90 - 92 } { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
يقول تعالى : بل أتينا هؤلاء المكذبين بالحق ، المتضمن للصدق في الأخبار ، العدل في الأمر والنهي ، فما بالهم لا يعترفون به ، وهو أحق أن يتبع ؟ وليس عندهم ما يعوضهم عنه ، إلا الكذب والظلم ، ولهذا قال : { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }
وبعد أن أثبت - سبحانه - أن البعث حق ، أتبع ذلك بإثبات وحدانيته ، وإبطال ما يعزمون له - تعالى - من الولد والشريك . فقال : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ . . . } .
قوله - سبحانه - { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بالحق . . . } إضراب عن قول أولئك الكافرين { إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين } أى : ما كان ما أخبرناهم به من أن هناك بعثاً وحساباً ، أساطير بالأولين بل أخبرناهم وأتيناهم بالحق الثابت ، والوعد الصادق ، وإنهم لكاذبون فى دعواهم أن البعث غير واقع ، وأن مع الله - تعالى - آلهة أخرى ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجئهم بالحق الذى يريدونه .
وفي اللحظة المناسبة لتقرير حقيقة ما جاءهم به الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من التوحيد ، وبطلان ما يدعونه من الولد والشريك . . في اللحظة المناسبة بعد ذلك الجدل يجيء هذا التقرير :
بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون . ما اتخذ الله من ولد ، وما كان معه من إله . إذن لذهب كل إله بما خلق ، ولعلا بعضهم على بعض . سبحان الله عما يصفون . عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون .
يجيء هذا التقرير في أساليب شتى . . بالإضراب عن الجدل معهم ، وتقرير كذبهم الأكيد : ( بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ) .
ثم قال تعالى : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ } ، وهو الإعلام بأنه لا إله إلا الله ، وأقمنا الأدلة الصحيحة الواضحة القاطعة على ذلك ، { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أي : في عبادتهم مع الله غيره ، ولا دليل لهم على ذلك ، كما قال في آخر السورة : { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } ، فالمشركون لا يفعلون ذلك [ عن دليل قادهم إلى ما هم فيه من الإفك والضلال ، وإنما يفعلون ذلك ]{[20651]} اتباعا لآبائهم وأسلافهم الحيارى الجهال ، كما قالوا : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون بالله من أن الملائكة بناتُ الله وأن الآلهة والأصنام آلهة دون الله. "بَلْ أتَيْناهُمْ بالْحَقّ "اليقين، وهو الدين الذي ابتعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك الإسلام، ولا يُعْبَد شيء سوى الله لأنه لا إله غيره. "وإنّهُمْ لَكاذِبُونَ" يقول: وإن المشركين لكاذبون فيما يضيفون إلى الله ويَنْحَلُونه من الولد والشريك.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{بل أتيناهم بالحق} قد ذكرنا أنه يحتمل وجوها:
أحدها: {بالحق} أي بوحدانية الله وألوهيته وتعاليه عن الشركاء والولد وعما وصفوه. والثاني: أن يكون قوله: {بالحق} أي بالقرآن الذي عرفوه أنه حق وأنه من عند الله. والثالث: أن يريد {بالحق} محمدا صلى الله عليه وسلم، عرفوا أنه رسول سبحانه وتعالى.
والرابع: أن يكون {بالحق} ما ذكر من ذكرهم وما فيه شرفهم ومنزلتهم... والله أعلم.
{وإنهم لكاذبون} في وصفهم ربهم في ما وصفوه بما لا يليق وصفه به، أو كاذبون بأن القرآن مفترى ومختلق من عند الله، أو كاذبون في قولهم بأنه ساحر وأنه مجنون وأنه ليس برسول، كذبوا في جميع ما أنكروا، والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم أخبر تعالى إنه أتى هؤلاء الكفار بالحق الواضح: من توحيد الله وصفاته وخلع الأنداد دونه وأنه يبعث الخلق بعد موتهم، ويجازيهم على طاعاتهم بالثواب، وعلى معاصيهم بالعقاب، وأن الكفار كاذبون فيما يخبرون بخلافه.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
بَيَّنَ أنهم أصرُّوا على جحودهم، وأقاموا على عُتُوِّهم ونُبُوِّهم، وبعد أن أُزيحت العِللُ فلات حين عذر.
أنه قد بالغ في الحجاج عليهم بهذه الآيات وغيرها وهم مع ذلك كاذبون، وذلك كالتوعد والتهديد.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان الإنكار بمعنى النفي، حسن قوله: {بل} أي ليس الأمر كما يقولون، لم نأتهم بسحر بل، أو يكون المعنى: ليس هو أساطير، بل {أتيناهم} فيه على عظمتنا {بالحق} أي الكامل الذي لا حق بعده، كما دلت عليه "ال "فكل ما أخبر به من التوحيد والبعث وغيرهما فهو حق {وإنهم لكاذبون} في قولهم: إنه سحر لا حقيقة له، وفي كل ما ادعوه من الولد والشريك وغيرهما مما بين القرآن فساده كما لزمهم بما أقروا به في جواب هذه الأسئلة الثلاثة.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
بل أتينا هؤلاء المكذبين بالحق، المتضمن للصدق في الأخبار، العدل في الأمر والنهي، فما بالهم لا يعترفون به، وهو أحق أن يتبع؟ وليس عندهم ما يعوضهم عنه، إلا الكذب والظلم.
يعني: دعوني أخبركم عن أمرهم، ولماذا أنكروا الحق ولم ينطقوا به، إنهم ينكرون الحق لأنهم كاذبون ويريدون أن يثبتوا أن ما هم عليه أمر طبيعي، لماذا؟ لأنهم مستفيدون من الانحراف ومن الباطل، لذلك يقفون في وجه الرسالة التي جاءت لتعديل الميزان والقضاء على الانحراف والباطل، ويلجئون إلى تكذيبها وصرف الناس عنها ليظلوا ينتفعون هم بالباطل. لذلك تأمل: لماذا يكذب الناس؟ يكذبون لأنهم ينتفعون من الكذب، ويتعبهم الصدق، ويضيق عليهم الخناق.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
والجدير بالاهتمام هو أنّه بعد السؤال الأوّل وإجابته جاءت عبارة: (أفلا تذكرون).
وبعد السؤال الثّاني وإجابته جاءت عبارة (أفلا تتّقون).
وبعد السؤال الثّالث وإجابته جاءت عبارة (فأنّى تسحرون).
وهذه عبارات تنبيه شديدة للكفّار واستنكار لما هم عليه من باطل بشكل متدرّج ومرحلة بعد أُخرى، وهو اُسلوب متعارف ينسجم مع الأساليب المعروفة في التعليم والتربية المنطقيّة. فإذا احتاج المربّي إلى إدانة شخص، يبدأ أوّلا بتنبيهه بلطف، ثمّ بحزم، وبعد ذلك يعنّفه.