{ 66-73 } { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ }
يقول تعالى : ما ينتظر المكذبون ، وهل يتوقعون { إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } أي : فإذا جاءت ، فلا تسأل عن أحوال من كذب بها ، واستهزأ بمن جاء بها .
والاستفهام فى قوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } للنفى .
وينظرون بمعنى : ينتظرون . والخطاب لكفار مكة الذين أعرضوا عن دعوة الحق .
أى : ما ينتظر هؤلاء المشركون إلا قيام الساعة ، وهذا القيام سيأتيهم فجأة ، وبدن شعور منهم بها ، وحينيئذ يندمون ولن ينفعهم الندم ، ولو كانوا عقلاء لاتبعوا الحق الذى جاءهم به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ، قبل فوات الأوان .
فالآية الكريمة دعوة لهؤلاء المشركين إلى الاستجابة للرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا دعاهم لما يصلحهم ، من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلال .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فأنى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد وبخت المشركين على جدالهم بالباطل وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم ، وبينت الحق فى شأن عيسى - عليه السلام - وتوعدت المختلفين فى أمره - اختلافا يتنافى مع ما جاءهم به - بالعذاب الشديد .
وحين يصل السياق إلى الحديث عن الظالمين ، يدمج المختلفين من الأحزاب بعد عيسى - عليه السلام - مع المحاجين لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بفعل هذه الأحزاب ؛ ويصور حالهم يوم القيامة في مشهد رائع طويل ، يحتوي كذلك صفحة المتقين المكرمين في جنات النعيم :
هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ? الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين .
( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون . الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين . ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون . يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب ، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، وأنتم فيها خالدون . وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون . لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون .
( إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون . لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون . وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين . ونادوا : يا مالك ليقض علينا ربك . قال : إنكم ماكثون . .
يبدأ المشهد بوقوع الساعة فجأة وهم غافلون عنها ، لا يشعرون بمقدمها :
( هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون ) !
هذه المفاجأة تحدث حدثاً غريباً ، يقلب كل ما كانوا يألفونه في الحياة الدنيا :
يقول تعالى : هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون للرسل { إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } ؟ أي : فإنها كائنة لا محالة وواقعة ، وهؤلاء غافلون عنها غير مستعدين [ لها ]{[26117]} فإذا جاءت إنما تجيء وهم لا يشعرون بها ، فحينئذ يندمون كل الندم ، حيث لا ينفعهم ولا يدفع عنهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
رجع إلى كفار قريش فقال: {هل ينظرون إلا الساعة} يعني يوم القيامة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ السّاعَةَ أنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً" يقول: هل ينظر هؤلاء الأحزاب المختلفون في عيسى بن مريم، القائلون فيه الباطل من القول، إلاّ الساعة التي فيها تقوم القيامة فجأة "وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ "يقول: وهم لا يعلمون بمجيئها.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
" هل ينظرون "معناه هل ينتظرون.
"بغتة" وإنما كانت الساعة بغتة مع تقديم الإنذار بها؛ لأنهم مع الإنذار لا يدرون وقت مجيئها، كما لا يدري الإنسان وقت الرعد والزلازل، فتأتي بغتة وإن علم أنها تكون...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
قال أهل العلم: وقد أخفى الله تعالى أمر الساعة وزمان قيامها ليكون أبلغ في الإنذار والتخويف...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{وهم لا يشعرون} غافلون عنها لاشتغالهم بأمور الدنيا وإنكارهم لها...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما عم الظالمين بالوعيد بذلك اليوم فدخل فيه قريش وغيرهم، أتبعه ما هو كالتعليل مبرزاً له في سياق الاستفهام لأنه أهول فقال: {هل} وجرد الفعل إشارة إلى شدة القرب حتى كأنه بمرأى فقال: {ينظرون}.
{إلا الساعة} أي ساعة الموت العام والبعث والقيام، فإن ذلك لتحقق أمره كأنه موجود منظور إليه.
ولما قدم الساعة تهويلاً تنبيهاً على أنها لشدة ظهور دلائلها كأنها مرئية بالعين هزاً لهم إلى تقليب أبصارهم لتطلب رؤيتها، أبدل منها زيادة في التهويل قوله تعالى: {أن تأتيهم} وحقق احتمال رؤيتها بقوله: {بغتة}.
ولما كان البعث قد يطلق على ما يجهل من بعض الوجوه، أزال هذا الاحتمال بقوله: {وهم لا يشعرون} أي لا يحصل لهم بعين الوقت الذي يجيء نوع من أنواع العلم، ولا بما كالشعرة منه.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
فإذا جاءت، فلا تسأل عن أحوال من كذب بها، واستهزأ بمن جاء بها...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
حين يصل السياق إلى الحديث عن الظالمين، يدمج المختلفين من الأحزاب بعد عيسى -عليه السلام- مع المحاجين لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] بفعل هذه الأحزاب؛ ويصور حالهم يوم القيامة في مشهد رائع طويل، يحتوي كذلك صفحة المتقين المكرمين في جنات النعيم.
.. يبدأ المشهد بوقوع الساعة فجأة وهم غافلون عنها، لا يشعرون بمقدمها: (هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون)! هذه المفاجأة تحدث حدثاً غريباً، يقلب كل ما كانوا يألفونه في الحياة الدنيا.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
المعنى: أن هذا العذاب واقع لا محالة سواء قرب زمان وقوعه أم بعُد، فلا يريبكم عدم تعجيله...
والبغتة: الفجأة، وهي: حصول الشيء عن غير ترقّب...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
المراد من «الساعة» في هذه الآية ككثير من آيات القرآن الأُخرى هو يوم القيامة، لأنّ الحوادث تقع سريعة حتى كأنّها تحدث في ساعة واحدة، وجاءت هذه الكلمة أيضاً بمعنى لحظة انتهاء الدنيا...
وأي شيء آلم من أن يكون الإِنسان غافلاً أمام مثل هذه الحادثة التي ليس فيها أي طريق أو منفذ للرجوع والخلاص، ويغرق في أمواجها من دون أن يكون مُعِدّاً لمستلزمات النجاة؟...