ثم عادت السورة الكريمة إلى إبطال معاذيرهم ، بأسلوب الاستفهام الإنكارى ، الذى تكرر فيها كثيرا ، فقال - تعالى - : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ . أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ } ؟
والمغرم والغرام : ما يفرض على المرء أداؤه من مال وغيره .
والمثقلون : جمع مثقل ، وهو من أثقلته الديون ، حتى صار فى حالة عجز عن أدائها .
والمراد بالغيب : علم الغيب ، وهو ما غاب عن علم البشر ، فالكلام على حذف مضاف .
والمعنى : بل أتسألهم - يا محمد - على دعوتك لهم إلى الحق والخير { أَجْراً } دنيويا { فَهُمْ } من أجل ذلك مثقلون بالديون المالية ، وعاجزون عن دفعها لك . . فترتب على هذا الغرم الثقيل . أن أعرضوا عن دعوتك ، وتجنبوا الدخول فى دينك ؟
أم أن هؤلاء القوم عندهم علم الغيب ، بأن يكونوا قد اطلعوا على ما سطرناه فى اللوح المحفوظ من أمور غيبية لا يعلمها أحد سوانا . . فهم يكتبون ذلك ، ثم يصدرون أحكامهم . ويجادلونك فى شأنها . وكأنهم قد اطلعوا على بواطن الأمور ! .
الحق الذى لا حق سواه ، أن هؤلاء القوم ، أنت لم تطلب منهم أجرا على دعوتك إياهم إلى إخلاص العبادة لنا ، ولا علم عندهم بشئ من الغيوب التى لا يعلمها أحد سوانا ، وكل ما يزعمونه فى هذا الشأن فهو ضرب من الكذب والجهل . .
وقوله : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } تقدم تفسيرهما في سورة " الطور " {[29212]} {[29213]} والمعنى في ذلك : أنك يا محمد تدعوهم إلى الله ، عز وجل ، بلا أجر تأخذه منهم ، بل ترجو ثواب ذلك عند الله ، عز وجل ، وهم يكذبون بما جئتهم به ، بمجرد الجهل والكفر والعناد .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مّن مّغْرَمٍ مّثْقَلُونَ * أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أتسأل يا محمد هؤلاء المشركين بالله على ما أتيتهم به من النصيحة ، ودعوتهم إليه من الحقّ ، ثوابا وجزاء فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُون يعني من غرم ذلك الأجر مثقلون ، قد أثقلهم القيام بأدائه ، فتحاموا لذلك قبول نصيحتك ، وتجنبوا لعظم ما أصابهن من ثقل الغرم الذي سألتهم على ذلك الدخول في الذي دعوتهم إليه من الدين .
إضراب آخر للانتقال إلى إبطال آخر من إبطال معاذيرهم في إعراضهم عن استجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم المبتدىء من قوله : { ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب } [ القلم : 3637 ] { أم لكم أيمان } [ القلم : 39 ] { أم لهم شركاء } [ القلم : 41 ] فإنه بعد أن نفى أن تكون لهم حجة تؤيد صلاح حالهم ، أو وعد لهم بإعطاء ما يرغبون ، أو أولياء ينصرونهم ، عطف الكلام إلى نفي أن يكون عليهم ضر في إجابة دعوة الإسلام ، استقصاء لقطع ما يُحتمل من المعاذير بافتراض أن الرسول صلى الله عليه وسلم سألهم أجراً على هديه إياهم ، فصدهم عن إجابته ثقل عزم المال على نفوسهم .
فالاستفهام الذي تؤذن به { أم } استفهامٌ إنكار لفرض أن يكون ذلك مما يخامر نفوسهم فرضاً اقتضاه استقراء نواياهم من مواقع الإِقبال على دعوة الخير والرشد .
والمَغْرَمُ : ما يفرض على المرء أداؤه من ماله لغيرِ عِوض ولا جناية .
والمُثْقَل : الذي حُمل عليه شيء ثقيل ، وهو هنا مجاز في الإِشفاق .
والفاء للتفريع والتسبب ، أي فيتسبب على ذلك أنك شققت عليهم فيكون ذلك اعتذاراً منهم عن عدم قبول ما تدعوهم إليه .
و { مِن مغرم } متعلق ب { مثقلون ، } و { من } ابتدائية ، وهو ابتداء مجازي بمعنى التعليل ، وتقديم المعمول على عامله للاهتمام بموجب المشقة قبل ذكرها مع الرعاية على الفاصلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.