وقوله : يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه . ومعنى الكلام : الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدوّ إلاّ المتقين ، فإنهم يقال لهم : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم من عقابي ، فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم ، ولا أنتم تحزنون على فراق الدنيا فإن الذي قدمتم عليه خير لكم مما فارقتموه منها .
وذُكر أن الناس ينادون هذا النداء يوم القيامة ، فيطمع فيها من ليس من أهلها حتى يسمع قوله : الّذِينَ آمَنُوا بآياتِنا وكانُوا مُسْلِمِينَ فييأس منها عند ذلك .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلاّ فزع ، فينادي منادٍ : يا عباد الله لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، فيرجوها الناس كلهم ، قال : فيتبعها الّذِينَ آمَنُوا بآياتِنا وكانُوا مُسْلِمِينَ قال : فييأس الناس منها غير المسلمين .
جملة { يا عبادي } مقولة لقول محذوف دلت عليه صيغة الخطاب ، أي نقول لهم أو يقول الله لهم .
وقرأ الجمهور { يا عبادي } بإثبات الياء على الأصل . وقرأه حفص والكسائي بحذف ( ياء ) المتكلم تخفيفاً . قال ابن عطية قال أبو علي : وحذفها حسن لأنها في مَوْضِعِ تنوين وهي قد عاقبته فكما يحذف التنوين في الاسم المفرد المنادَى كذلك تحذف اليَاء هنا .
ومفاتحة خطابهم بنفي الخوف عنهم تأنيس لهم ومنة بإنجائهم من مثله وتذكيرٌ لهم بسبب مخالفة حالهم لِحال أهل الضلالة فإنهم يشاهدون ما يعامل به أهل الضلالة والفساد .
و { لا خوف } مرفوع منون في جميع القراءات المشهورة ، وإنما لم يفتح لأن الفتح على تضمين ( مِن ) الزائدة المؤكدة للعموم وإذ قد كان التأكيد مفيداً التنصيص على عدم إرادة نفي الواحد ، وكان المقام غير مقام التردد في نفي جنس الخوف عنهم لأنه لم يكن واقعاً بهم حينئذٍ مع وقوعه على غيرهم ، فأمارة نجاتهم منه واضحة ، لم يحتج إلى نصب اسم { لا } ، ونظيره قول الرابعة من نساء حديث أمّ زرع : زوجِي كَلَيْل تِهامهْ ، لا حَرٌّ ولا قُرٌّ ولا مخافةٌ ولا سآمهْ .
روايته برفع الأسماء الأربعة لأن انتفاء تلك الأحوال عن ليل تهامة مشهور ، وإنما أرادت بيان وجوه الشبه من قولها كليللِ تهامة .
وجيء في قوله : { ولا أنتم تحزنون } بالمسند إليه مخبراً عنه بالمسند الفِعلي لإفادة التقويّ في نفي الحزن عنهم ، فالتقوي أفاد تقوّي النفي لا نفي قوة الحزن الصادق بحزن غير قوي . هذا هو طريق الاستعمال في نفس صيغ المبالغة كما في قوله تعالى : { وما ربّك بظلامٍ للعبيد } [ فصلت : 46 ] ، تطميناً لأنفسهم بانتفاء الحزن عنهم في أزمنة المستقبل ، إذ قد يهجس بخواطرهم هل يدوم لهم الأمْن الذي هم فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.