جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوۡتُ قَوۡمِي لَيۡلٗا وَنَهَارٗا} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ رَبّ إِنّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيَ إِلاّ فِرَاراً * وَإِنّي كُلّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوَاْ أَصَابِعَهُمْ فِيَ آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً } .

يقول تعالى ذكره : قال نوح لما بلغ قومه رسالة ربه ، أو أنذرهم ما أمره به أن ينذرهموه فعصوه ، وردّوا عليه ما أتاهم به من عنده : رَبّ إنّي دَعَوْتُ قَوْمي لَيْلاً وَنهارا إلى توحيدك وعبادتك ، وحذّرتهم بأسك وسطوتك ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائي إلاّ فِرَارا يقول : فلم يزدهم دعائي إياهم إلى ما دعوتهم إليه من الحقّ الذي أرسلتني به لهم إلاّ فِرَارا يقول : إلا إدبارا عنه وهربا منه وأعراضا عنه . وقد :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائي إلاّ فِرَارا قال : بلغنا أنهم كانوا يذهب الرجل بابنه إلى نوح ، فيقول لابنه : احذر هذا لايغوينك ، فأراني قد ذهب بي أبي إليه وأنا مثلك ، فحذرني كما حذّرتك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوۡتُ قَوۡمِي لَيۡلٗا وَنَهَارٗا} (5)

قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا أي دائما .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوۡتُ قَوۡمِي لَيۡلٗا وَنَهَارٗا} (5)

جرد فعل { قال } هنا ، من العاطف لأنه حكاية جواب نوح عن قول الله له { أنْذِر قومك } [ نوح : 1 ] عومل معاملة الجواب الذي يُتلقى به الأمر على الفور على طريقة المحاورات التي تقدمت في قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } في سورة البقرة ( 30 ) ، تنبيهاً على مبادرة نوح بإبلاغ الرسالة إلى قومه وتمام حرصه في ذلك كما أفاده قوله : { ليلاً ونهاراً } وحصول يأسه منهم ، فجعل مراجعته ربه بعد مهلة مستفادة من قوله : { لَيْلاً ونهاراً } بمنزلة المراجعة في المقام الواحد بين المتحاورَيْن . ولك أن تجعل جملة { قال رب } الخ مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن السامع يترقب معرفة ماذا أجاب قوم نوح دعوته فكان في هذه الجملة بيان ما يترقبه السامع مع زيادة مراجعة نوح ربه تعالى .

وهذا الخبر مستعمل في لازم معناه وهو الشكاية والتمهيد لطلب النصر عليهم لأن المخاطب به عالم بمدلول الخبر . وذلك ما سيفضي إليه بقوله : { وقال نوح رب لا تذَرْ على الأرض من الكافرين دياراً } الآيات [ نوح : 26 ] .

وفائدة حكاية ما ناجى به نوح ربه إظهارُ توكله على الله ، وانتصار الله له ، والإِتيانُ على مهمات من العبرة بقصته ، بتلوين لحكاية أقواله وأقوال قومه وقول الله له . وتلك ثمان مقالات هي :

1- { أن أنذر قومك } الخ [ نوح : 1 ] .

2- { قال يا قوم إني لكم نذير مبين } الخ [ نوح : 2 ] .

3- { قال رب إني دعوت قومي } الخ [ نوح : 5 ] .

4- { فقلت استغفروا ربكم } الخ [ نوح : 10 ] .

5- { قال نوح رب إنهم عصوني } الخ [ نوح : 21 ] .

6- { ولا تزد الظالمين إلاّ ضلالاً } الخ [ نوح : 24 ] .

7- { وقال نوح رب لا تذر على الأرض } الخ [ نوح : 26 ] .

8- { رب اغفر لي } الخ [ نوح : 28 ] .

وجعل دعوته مظروفة في زمني الليل والنهار للدلالة على عدم الهوادة في حرصه على إرشادهم ، وأنه يترصد الوقت الذي يتوسم أنهم فيه أقرب إلى فهم دعوته منهم في غيره من أوقات النشاط وهي أوقات النهار ، ومن أوقات الهدوّ وراحة البال وهي أوقات الليل .