وقوله - سبحانه - : { وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً } بيان لرذيلة ثالثة من رذائلهم المتعددو . والتراث : هو المال الموروث عن الغير . والمراد بالأكل مطلق الانتفاع ، وخص الأكل بالذكر ، لأنه يشمل معظم وجوه التصرفات المالية .
والَّلُّم : الجمع بدون تفرقة بين الحلال والحرام ، مأخوذ من قولهم : لَمَّ الطعام ، إذا أكله كله دون أن يترك منه شيئا .
أى : ومن صفاتكم القبيحة أنكم تأكلون المال الموروث عن غيركم ، أكلا شديدا ، بحيث لا تتركون منه شيئا ، ولا تفرقون بين ما هو حلال أو حرام ، ولا بين ما يحمد وما لا يحمد ، بل تأخذون حقوقكم وحقوق غيركم من النساء والصبيان .
وقد تقدم القول في ( سورة براءة ) في المسكين والفقير بمعنى يغني عن إعادته ، وعدد عليهم جدهم في أكل التراث لأنهم لا يورثون النساء ولا صغار الأولاد إنما كان يأخذ المال من يقاتل ويحمي الحوزة{[11805]} ، و «اللّم » : الجمع واللف . : الجمع واللف ، قال الحسن : هو أن يأخذ في الميراث حظه وحظ غيره ، وقال أبو عبيدة : " لممت ما على الخوان " إذا أكلت جميع ما عليه بأسره ، ومنه " لم الشعث " ومنه قول الشاعر :
ولست بمستبق أخا لا تلمه *** على شعث أي الرجال المهذب ؟{[11806]}
و { التراث } : المال الموروث ، أي الذي يُخلفه الرجل بعد موته لوارثه وأصله : وُرَاث بواو في أوله بوزن فُعال من مادة وَرث بمعنى مفعول مثل الدُّقاق ، والحُطام ، أبدلت واوه تاء على غير قياس كما فعلوا في تُجاه ، وتُخَمة ، وتُهْمة ، وتُقَاةٍ وأشباهها .
والأكل : مستعار للانتفاع بالشيء انتفاعاً لا يُبقي منه شيئاً . وأحسب أن هذه الاستعارة من مبتكرات القرآن إذ لم أقف على مثلها في كلام العرب .
وتعريف التراث عوض عن المضاف إليه ، أي تراث اليتامى وكذلك كان أهل الجاهلية يمنعون النساء والصبيان من أموال مورثيهم .
وأشعر قوله : { تأكلون } بأن المراد التراث الذي لا حق لهم فيه ، ومنه يظهر وجه إيثار لفظ التُراث دون أن يقال : وتأكلون المال لأن التراث مال ماتَ صاحبه وأكْلُه يقتضي أن يستحق ذلك المال عاجز عن الذب عن ماله لصغرٍ أو أنوثة .
واللَّمُّ : الجمع ، ووصْفُ الأكل به وصف بالمصدر للمبالغة ، أي أكلاً جامعاً مال الوارثين إلى مال الآكِلِ كقوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } [ النساء : 2 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني تأكلون الميراث أكلا شديدا...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وتأكلون أيها الناس الميراث "أكلاً لمّا" ، يعني : أكلاً شديدا ، لا تتركون منه شيئا ، وهو من قولهم : لممت ما على الخِوان أجمع ، فأنا ألمه لمّا : إذا أكلت ما عليه ، فأتيت على جميعه . .. عن الحسن ، في قوله : "وَتأكُلُونَ التّرَاثَ أكْلاً لَمّا" قال : نصيبه ونصيب صاحبه . ... عن مجاهد قوله : "أكْلاً لَمّا" قال : اللمّ : السفّ ، سفّ كل شيء . ... قال ابن زيد ، في قول الله : "وتَأكُلُونَ التّرَاثَ أكْلاً لَمّا" قال : الأكل اللمّ : الذي يأكل كلّ شيء يجده ولا يسأل ، فأكل الذي له ، والذي لصاحبه . كانوا لا يُوَرّثون النساء ، ولا يورّثون الصغار ، وقرأ : "يَسْتَفْتُونَكَ فِي النّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنّ وَما يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتابِ في يَتامَى النّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنّ ما كُتِبَ لَهُنّ وتَرْغَبُونَ أنْ تَنْكِحُوهُنّ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ" : أي لا تورّثونهنّ أيضا أكْلاً لَمّا يأكل ميراثه ، وكلّ شيء لا يسأل عنه ، ولا يدري أحلال أو حرام . ... عن سالم ، قال : قد سمعت بكر بن عبد الله يقول في هذه الآية : "وَتأكُلُونَ التّرَاثَ أكْلاً لَمّا" قال : اللمّ : الاعتداء في المِيراث ، يأكل ميراثه وميراث غيره . ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فاللم: الجمع ؛ يقال : لمّ المال أي جمع ، فكأنه يقول : يجمعون ما لم يرثوه بأنفسهم ، وذلك نصيب الأيتام إلى ما يرثون من أنصبائهم ، فيأكلونه ...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
تجمعون المال كله في الأكل فلا تعطون اليتيم نصيبه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إنكم لا تدركون معنى الابتلاء . فلا تحاولون النجاح فيه ، بإكرام اليتيم والتواصي على إطعام المسكين ، بل أنتم - على العكس - تأكلون الميراث أكلا شرها جشعا ؛ ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
و { التراث } : المال الموروث ، أي الذي يُخلفه الرجل بعد موته لوارثه...
والأكل : مستعار للانتفاع بالشيء انتفاعاً لا يُبقي منه شيئاً . وأحسب أن هذه الاستعارة من مبتكرات القرآن إذ لم أقف على مثلها في كلام العرب .
وتعريف التراث عوض عن المضاف إليه ، أي تراث اليتامى، وكذلك كان أهل الجاهلية يمنعون النساء والصبيان من أموال مورثيهم .
وأشعر قوله : { تأكلون } بأن المراد التراث الذي لا حق لهم فيه ، ومنه يظهر وجه إيثار لفظ التُراث دون أن يقال : وتأكلون المال لأن التراث مال ماتَ صاحبه وأكْلُه يقتضي أن يستحق ذلك المال عاجز عن الذب عن ماله لصغرٍ أو أنوثة .