ثم بين - سبحانه - الوظيفة التى من أجلها أرسل رسوله فقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } .
أى : وما أرسلناك - أيها الرسول الكريم - إلى الناس جميعا ، إلا لتبشرهم بثواب الله - تعالى - ورضوانه إذا أخلصوا له العبادة والطاعة ، ولتنذرهم بعقابه وغضبه ، إن هم استمروا على كفرهم وشركهم ، فبلغ رسالتنا - أيها الرسول - ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ مُبَشّراً وَنَذِيراً * قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاّ مَن شَآءَ أَن يَتّخِذَ إِلَىَ رَبّهِ سَبِيلاً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وَما أرْسَلْناكَ يا محمد إلى من أرسلناك إليه إلاّ مُبَشّرا بالثواب الجزيل ، من آمن بك وصدّقك ، وآمن بالذي جئتهم به من عندي ، وعملوا به ونَذِيرا من كذّبك وكذّب ما جئتهم به من عندي ، فلم يصدّقوا به ، ولم يعملوا .
لما أفضى الكلامُ بأفانين انتقالاته إلى التعجيب من استمرارهم على أن يعبدوا ما لا يضرهم ولا ينفعهم أُعقب بما يومىء إلى استمرارهم على تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم في دعوى الرسالة بنسبة ما بلغه إليهم إلى الإفك ، وأنه أساطير الأولين ، وأنه سِحر ، فأبطلت دعاويهم كلها بوصف النبي بأنه مرسل من الله ، وقصره على صفتي التبشير والنذارة . وهذا الكلام الوارد في الردّ عليهم جامع بين إبطال إنكارهم لرسالته وبين تأنيس الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه ليس بمضلّ ولكنه مُبشّر ونذير . وفيه تعريض بأن لا يحزن لتكذيبهم إياه .
ثم أمره بأن يخاطبهم بأنه غير طامع من دعوتهم في أن يعتز باتِّباعهم إياه حتى يحسبوا أنهم إن أعرضوا عنه فقد بلغوا من النكاية به أملهم ، بل ما عليه إلا التبليغ بالتبشير والنذارة لفائدتهم لا يريد منهم الجزاء على عمله ذلك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما أرسلناك إلا مبشرا} بالجنة {ونذيرا} من النار.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"وَما أرْسَلْناكَ" يا محمد إلى من أرسلناك إليه "إلاّ مُبَشّرا "بالثواب الجزيل، من آمن بك وصدّقك، وآمن بالذي جئتهم به من عندي، وعملوا به، "ونَذِيرا" من كذّبك وكذّب ما جئتهم به من عندي، فلم يصدّقوا به، ولم يعملوا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
والبشارة هي الإعلام لما يلحق من السرور والفرح في العاقبة بالأعمال الصالحة. والنذارة هي الإعلام لما يلحق من المكروه والمحذور في العاقبة بالأعمال السيئة القبيحة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{وما أرسلناك}، الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي لا تهتم بهم ولا تذهب نفسك حسرات حرصاً عليهم، فإنما أنت رسول تبشر المؤمنين بالجنة، وتنذر الكفرة النار، ولست بمطلوب بإيمانهم أجمعين.
أما قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا} فتعلق ذلك بما تقدم، هو أن الكفار يطلبون العون على الله تعالى وعلى رسوله، والله تعالى بعث رسوله لنفعهم، لأنه بعثه ليبشرهم على الطاعة، وينذرهم على المعصية، فيستحقوا الثواب ويحترزوا عن العقاب، فلا جهل أعظم من جهل من استفرغ جهده في إيذاء شخص استفرغ جهده في إصلاح مهماته دينا ودنيا، ولا يسألهم على ذلك البتة أجرا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان التقدير تسلية له صلى الله عليه وسلم: فالزم ما نأمرك به ولا يزد همُّك بردهم عما هم فيه، فإنا ما أرسلناك عليهم وكيلاً، عطف عليه قوله: {وما أرسلناك} أي بما لنا من العظمة. ولما كان سياق السورة للإنذار، لما ذكر فيها من سوء مقالهم، وقبح أفعالهم، حسن التعبير في البشارة بما يدل على كثرة الفعل، ويفهم كثرة المفعول، بشارة بكثرة المطيع، وفي النذارة بما يقتضي أن يكون صفة لازمة فقال: {إلا مبشراً} أي لكل من يؤمن {ونذيراً} لكل من يعصي..
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
{وَمَا أرسلناك} في حال من الأحوال {إِلا} حال كونك {مُبَشّرًا} للمؤمنين {وَنَذِيرًا} أي ومنذراً مبالغاً في الإنذار للكافرين، ولتخصيص الإنذار بهم وكون الكلام فيهم والإشعار بغاية إصرارهم على ما هم فيه من الضلال اقتصر على صيغة المبالغة فيه، وقيل: المبالغة باعتبار كثرة المنذرين فإن الكفرة في كل وقت أكثر من المؤمنين. وبعضهم اعتبر كثرتهم بإدخال العصاة من المؤمنين فيهم أي ونذيراً للعاصين مؤمنين كانوا أو كافرين، والمقام يقتضي التخصيص بالكافرين كما لا يخفى، والمراد ما أرسلناك إلا مبشراً للمؤمنين ونذيراً للكافرين فلا تحزن على عدم إيمانهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا. قل: ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا. وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده، وكفى به بذنوب عباده خبيرا).. وبهذا يحدد واجب الرسول [صلى الله عليه وسلم] وهو التبشير والإنذار. ولم يكن بعد مأمورا بقتال المشركين وهو في مكة لضمان حرية التبشير والإنذار كما أمر به بعد ذلك في المدينة. وذلك لحكمة يعلمها الله. نحدس منها أنه كان في هذه الفترة يعد الرجال الذين ترتكز إليهم هذه العقيدة الجديدة، وتعيش في نفوسهم، وتترجم في حياتهم، وتتمثل في سلوكهم، لكي يكونوا نواة المجتمع المسلم الذي يحكمه الإسلام ويهيمن عليه. ولكي لا يدخل في خصومات وثارات دموية تصد قريشا عن الإسلام، وتغلق قلوبهم دونه؛ والله يقدر أنهم سيدخلون فيه بعضهم قبل الهجرة وسائرهم بعد الفتح، ويكون منهم نواة صلبة للعقيدة الخالدة بإذن الله. على أن لب الرسالة بقي في المدينة كما كان في مكة هو التبشير والإنذار. إنما جعل القتال لإزالة الموانع المادية دون حرية الدعوة، ولحماية المؤمنين حتى لا تكون فتنة؛ فالنص صادق في مكة وفي المدينة على السواء: (وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا).
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لما أفضى الكلامُ بأفانين انتقالاته إلى التعجيب من استمرارهم على أن يعبدوا ما لا يضرهم ولا ينفعهم أُعقب بما يومئ إلى استمرارهم على تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم في دعوى الرسالة بنسبة ما بلغه إليهم إلى الإفك، وأنه أساطير الأولين، وأنه سِحر، فأبطلت دعاويهم كلها بوصف النبي بأنه مرسل من الله، وقصره على صفتي التبشير والنذارة. وهذا الكلام الوارد في الردّ عليهم جامع بين إبطال إنكارهم لرسالته وبين تأنيس الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه ليس بمضلّ ولكنه مُبشّر ونذير. وفيه تعريض بأن لا يحزن لتكذيبهم إياه. ثم أمره بأن يخاطبهم بأنه غير طامع من دعوتهم في أن يعتز باتِّباعهم إياه حتى يحسبوا أنهم إن أعرضوا عنه فقد بلغوا من النكاية به أملهم، بل ما عليه إلا التبليغ بالتبشير والنذارة لفائدتهم لا يريد منهم الجزاء على عمله ذلك.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
في الآيات تسلية وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم إزاء ما يلقاه من قومه من مناوأة وتحدّ وتعجيز احتوت الفصول السابقة صورا عديدة منه حيث تقول إن الله تعالى لم يرسله إلاّ مبشرا ونذيرا وليس هو مسؤولا عن عنادهم وإيمانهم وكفرهم، وليس عليه إلاّ الدعوة إلى الله ومجاهدة الناس بالقرآن دون تهاون ولا تراخ، وعليه أن يقول للناس: إني لا أطلب منكم ولا أنتظر أجرا ولا مكافأة وكل ما أريده أن يهتدي من كان صادق الرغبة في الحق والهدى ويسير في سبيل الله ورضائه، وعليه بعد ذلك أن يجعل اعتماده وتوكله على الله الحي الذي لا يموت وأن يسبّح بحمده فهو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما الملك المسيطر على كونه العظيم الخبير المحيط بذنوب عباده وتصرّفهم والقادر عليهم والكافي لهم.
{وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا}:
صحيح أن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم...
73} (التوبة): لكن لا يعني هذا أن يهلك رسول الله نفسه في دعوتهم، ويألم أشد الألم لعدم إيمانهم؛ لأن رسول الله نفسه في دعوتهم، ويألم أشد الألم لعدم إيمانهم؛ لأن مهمة الرسول البلاغ، وقد أسف رسول الله لحال قومه حتى خاطبه ربه بقوله: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا6} (الكهف).
وما أمره الله بجهاد الكفار والمنافقين إلا ليحفزه، فلا يترك جهدا إلا بذله معهم، وإلا فأنت عندي مبشر ومنذر {وما أرسلناك إلا مبشرا} أي: بالخير قبل أوانه ليلتفت الناس إلى وسائله {ونذيرا} أي: بالشر قبل أوانه ليحذره الناس، ويجتنبوا أسبابه ووسائله.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
كان الكلام في الآيات السابقة حول إصرار الوثنيين على عبادتهم الأصنام التي لا تضرُّ ولا تنفع، وفي الآية الحالية الأُولى يشير القرآن إلى مهمّة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبالة هؤلاء المتعصبين المعاندين، فيقول تعالى: (وما أرسلناك إلاّ مبشراً ونذيراً). إذا لم يتقبل هؤلاء دعوتك، فلا جناح عليك، فقد أديت مهمتك في البشارة والإِنذار، ودعوت القلوب المستعدة إلى الله. هذا الخطاب، كما يشخص مهمّة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كذلك يسلّيه، وفيه نوع من التهديد لهذه الفئة الضالة، وعدم المبالاة بهم.