ثم وصف - سبحانه - من استثناهم من الإِنسان الهلوع ، بجملة من صفات الكريمة ، فقال : { إِلاَّ المصلين . الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } .
أى : إن الناس جميعا قد جبلوا على الجزع عند الضراء ، وعلى المنع عند السراء . . إلا المصلين منهم ، الذين يواظبون على أدائها مواظبة تامة ، دون أن يشغلهم عن أدائها : عسر أو يسر ، أو غنى أو فقر ، أو إقامة أو سفر .
فهم ممن قال - سبحانه - فى شأنهم : { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصلاة وَإِيتَآءِ الزكاة يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار }
وقوله : إلاّ المُصَلّينَ الّذِينَ هُمْ على صَلاتِهِمْ دائمُونَ يقول : إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة ، وهم على أداء ذلك مقيمون لا يضيعون منها شيئا ، فإن أولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعا ، وهو مع ذلك بربه كافر لا يصلى لله .
وقيل : عُني بقوله : إلاّ المُصَلّينَ المؤمنون الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل عُنِي به كلّ من صلى الخمس . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ومؤمل ، قالا : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم الّذِينَ هُمْ على صَلاتِهِمْ دائمُونَ قال : المكتوبة .
حدثني زريق بن السخب ، قال : حدثنا معاوية بن عمرو ، قال : حدثنا زائدة ، عن منصور ، عن إبراهيم الّذِينَ هُمْ على صَلاتِهِمْ دائمُونَ قال : الصلوات الخمس .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله إنّ الإنْسانَ خُلِقَ هَلُوعا . . . إلى قوله : دَائمُونَ ذُكر لنا أن دانيال نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال : يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا ، أو عاد ما أُرسلت عليهم الريح العقيم ، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة ، فعليكم بالصلاة فإنها خُلُقٌ للمؤمنين حسن .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم عَلى صَلاتهِمْ دائمُونَ قال : الصلاة المكتوبة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : الّذِينَ هُمْ على صَلاتِهِمْ دائمُونَ قال : هؤلاء المؤمنون الذين مع النبيّ صلى الله عليه وسلم على صلاتهم دائمون .
قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا حَيْوة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير أنه سأل عقبة بن عامر الجُهَنيّ ، عن : الّذِينَ هُمْ على صَلاتِهِمْ دائمُونَ قال : هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا خَلْفَهم ، ولا عن أيمانهم ، ولا عنى شمائلهم .
حدثني العباس بن الوليد ، قال : أخبرنا أبي ، قال : حدثنا الأوزاعي ، قال : ثني يحيى بن أبي كثير ، قال : ثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، قال : حدثني عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «خُذُوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقُونَ ، فإنّ اللّهَ لا يَمَلّ حتى تَمَلّوا » قالت : وكان أحبّ الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دُووم عليه قال : يقول أبو سلمة : إن الله يقول : الّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دَائمُونَ .
استثناء منقطع ناشىء عن الوعيد المبتدأ به من قوله : { يودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذٍ } [ المعارج : 11 ] الآية .
فالمعنى على الاستدراك . والتقدير : لكن المصلين الموصوفين بكَيْت وكَيْتتِ أولئك في جنات مكرمون .
فجملة { أولئك في جنات مكرمون } حيث وقعت بعد { إلاَّ } المنقطعة وهي بمعنى ( لكنَّ ) فلها حكم الجملة المخبر بها عن اسم ( لكنَّ ) المشددة أو عن المبتدأ الواقع بعد ( لكنْ ) المخففة وهو ما حققه الدماميني ، وإن كان ابن هشام رأى عدّ الجملة بعد الاستثناء المنقطع في عداد الجمل التي لا محلّ لها من الإِعراب .
والكلام استئناف بياني لمقابلة أحوال المؤمنين بأحوال الكافرين ، ووعدهم بوعيدهم على عادة القرآن في أمثال هذه المقابلة .
وهذه صفات ثمان هي من شعار المسلمين ، فعدل عن إحضارهم بوصف المسلمين إلى تعداد خصال من خصالهم إطناباً في الثناء عليهم لأن مقام الثناء مقام إطناب ، وتنبيهاً على أن كلّ صلة من هذه الصلات الثمان هي من أسباب الكون في الجنات .
وهذه الصفات لا يشاركهم المشركون في معظمها بالمرة ، وبعضها قد يتصف به المشركون ولكنهم لا يراعونه حق مراعاته باطراد ، وذلك حفظ الأمانات والعهد ، فالمشرك يحفظ الأمانة والعهد اتقاء مذمة الخيانة والغدْر ، ومع أحلافه دون أعدائِه ، والمشرك يشهد بالصدق إذا لم يكن له هوى في الكذب ، وإذا خشي أن يوصم بالكذب . وقد غدر المشركون بالمسلمين في عدة حوادث ، وغدر بعضهم بعضاً ، فلو علم المشرك أنه لا يطلع على كذبه وكان له هوى لم يؤد الشهادة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.