أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ} (9)

{ والذين هم على صلواتهم يحافظون } يواظبون عليها ويؤدونها في أوقاتها ، ولفظ الفعل فيه لما في الصلاة من التجدد والتكرر ولذلك جمعه غير حمزة والكسائي ، وليس ذلك تكريرا لما وصفهم به أولا فإن الخشوع في الصلاة غير المحافظة عليها ، وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ} (9)

وقرأ الجمهور «صلواتهم » ، وقرأ حمزة والكسائي «صلاتهم » بالإفراد ، وهذا الإفراد اسم جنس فهو في معنى الجمع ، والمحافظة على الصلاة رقب أوقاتها والمبادرة إلى وقت الفضل فيها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ} (9)

ثناء على المؤمنين بالمحافظة على الصلوات ، أي بعدم إضاعتها أو إضاعة بعضها ، والمحافظة مستعملة في المبالغة في الحفظ إذ ليست المفاعلة هنا حقيقيَّة كقوله تعالى : { حافظوا على الصلوات } [ البقرة : 238 ] وتقدّم معنى الحفظ قريباً .

وجيء بالصلوات بصيغة الجمع للإشارة إلى المحافظة على أعدادها كلها تنصيصاً على العموم .

وإنما ذكر هذا مع ما تقدم من قوله : { الذين هم في صلاتهم خاشعون } [ المؤمنون : 2 ] لأن ذكر الصلاة هنالك جاء تبعاً للخشوع فأريد ختم صفات مدحهم بصفة محافظتهم على الصلوات ليكون لهذه الخصلة كمالُ الاستقرار في الذهن لأنها آخر ما قرع السمع من هذه الصفات .

وقد حصل بذلك تكرير ذكر الصلاة تنويهاً بها ، ورداً للعجز على الصدر تحسيناً للكلام الذي ذكرت فيه تلك الصفات لتزداد النفس قبولاً لسماعها ووعيها فتتأسى بها .

والقول في إعادة الموصول وتقديم المعمول وإضافة الصلوات إلى ضميرهم مثل القول في نظيره ونظائره .

وقرأ الجمهور { على صلواتهم } بصيغة الجمع ، وقرأه حمزة والكسائي وخلف { على صلاتهم } بالإفراد .

وقد جمعت هذه الآية أصول التقوى الشرعية لأنها أتت على أعسر ما تُراض له النفس من أعمال القلب والجوارح .

فجاءت بوصف الإيمان وهو أساس التقوى لقوله تعالى : { ثم كان من الذين آمنوا } [ البلد : 17 ] وقوله : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً } [ النور : 39 ] .

ثم ذكرت الصلاة وهي عماد التقوى والتي تنهى عن الفحشاء والمنكر لما فيها من تكرر استحضار الوقوف بين يدي الله ومناجاته .

وذكرت الخشوع وهو تمام الطاعة لأن المرء قد يعمل الطاعة للخروج من عهدة التكليف غيرَ مستحضر خشوعاً لربه الذي كلفه بالأعمال الصالحة ، فإذا تخلق المؤمن بالخشوع اشتدت مراقبتُه ربَّه فامتثل واجتنب . فهذان من أعمال القلب .

وذكرت الإعراض عن اللغو ، واللغو من سوء الخلق المتعلق باللسان الذي يعسر إمساكه فإذا تخلق المؤمن بالإعراض عَننِ اللغو فقد سهل عليه ما هو دون ذلك . وفي الإعراض عن اللغو خُلُق للسمع أيضاً كما علمتَ .

وذكرت إعطاء الصدقات وفي ذلك مقاومة داء الشح { ومن يُوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } [ التغابن : 16 ] .

وذكرت حفظ الفرج ، وفي ذلك خلق مقاومة اطراد الشهوة الغريزية بتعديلها وضبطها والترفع بها عن حضيض مشابهة البهائم فمن تخلق بذلك فقد صار كبح الشهوة ملكة له وخُلقاً .

وذكرت أداء الأمانة وهو مظهر للإنصاف وإعطاء ذي الحق حقه ومغالبة شهوة النفس لأمتعة الدنيا .

وذكرت الوفاء بالعهد وهو مظهر لخلق العدل في المعاملة والإنصاف من النفس بأن يبذل لأخيه ما يحب لنفسه من الوفاء .

وذكرت المحافظة على الصلوات وهو التخلق بالعناية بالوقوف عند الحدود والمواقيت وذلك يجعل انتظام أمر الحياتين ملكة وخلقاً راسخاً .

وأنت إذا تأملت هذه الخصال وجدتها ترجع إلى حفظ ما من شأن النفوس إهماله مثل الصلاة والخشوع وترك اللغو وحفظ الفرج وحفظ العهد ، وإلى بذل ما من شأن النفوس إمساكه مثل الصدقة وأداء الأمانة .

فكان في مجموع ذلك أعمال ملكتي الفعللِ والترك في المهمات ، وهما منبع الأخلاق الفاضلة لمن تتبعها .

روى النسائي : أن عائشة قيل لها : كيف كان خُلق رسول الله ؟ قالت : كان خُلقه القُرآن . وقرأت : { قد أفلح المؤمنون } [ المؤمنون : 1 ] حتى انتهت إلى قوله : { والذين هم على صلواتهم يحافظون } . وقد كان خُلق أهل الجاهليَّة على العكس من هذا ، فيما عدا حفظ العهد غالباً ، قال تعالى : { وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ مُكاءً وتصديةً } [ الأنفال : 35 ] ، وقال في شأن المؤمنين مع الكافرين { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين } [ القصص : 55 ] ، وقال : { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة } [ فصلت : 6 ، 7 ] ، وقد كان البغاء والزنى فاشيين في الجاهليَّة .