تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصۡرَفُونَ} (69)

يقول تعالى : ألا تعجب يا محمد من هؤلاء المكذبين بآيات الله ، ويجادلون في الحق والباطل ، كيف تُصرف عقولهم عن الهدى إلى الضلال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصۡرَفُونَ} (69)

وقوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون } ظاهر الآية أنها في الكفار المجادلين في رسالة محمد والكتاب الذي جاء به بدليل قوله : { الذين كذبوا بالكتاب } . وهذا قول ابن زيد والجمهور من المفسرين . وقال محمد بن سيرين وغيره ، قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون } هي إشارة إلى أهل الأهواء من الأمة ، وروت هذه الفرقة في نحو هذا حديثاً{[10023]} وقالوا هي في أهل القدر ومن جرى مجراهم ، ويلزم قائلي هذه المقالة أن يجعلوا قوله تعالى : { الذين كذبوا } كلاماً مقطوعاً مستأنفاً في الكفار . { الذين } ابتداء وخبره : { فسوف يعلمون } ، ويحتمل أن يكون خبر الابتداء محذوفاً والفاء متعلقة به .


[10023]:ذكره المهدوي، عن عقبة بن عامر أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نزلت هذه الآية في القدرية).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصۡرَفُونَ} (69)

بنيت هذه السورة على إبطال جدل الذين يجادلون في آيات الله جدال التكذيب والتورّك كما تقدم في أول السورة إذ كان من أولها قوله : { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } [ غافر : 4 ] وتكرر ذلك خمس مرات فيها ، فنبه على إبطال جدالهم في مناسبات الإِبطال كلها إذ ابتدىء بإبطاله على الإِجمال عقب الآيات الثلاث من أولها بقوله : { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } [ غافر : 4 ] ثم بإبطاله بقوله : { الذين يجادلون في ءايات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله } [ غافر : 35 ] ، ثم بقوله : { إنَّ الذين يُجادلُون في ءايات الله بِغَير سُلطاننٍ أتاهم إن في صُدُورهم إلاَّ كِبْرٌ } [ غافر : 56 ] ثم بقوله : { ألَمْ تَرَ إلى الَّذِين يجادلون في آياتِ الله أنَّى يُصْرَفُون } .

وذلك كله إيماء إلى أن الباعث لهم على المجادلة في آيات الله هو ما اشتمل عليه القرآن من إبطال الشرك فلذلك أعقب كل طريقة من طرائق إبطال شركهم بالإِنحاء على جدالهم في آيات الله ، فجملة { ألَمْ تَرَ إلى الَّذِين يجادلون في آياتِ الله } مستأنفة للتعجيب من حال انصرافهم عن التصديق بعد تلك الدلائل البيّنة . والاستفهام مستعمل في التقرير وهو منفي لفظاً ، والمراد به : التقرير على الإِثبات ، كما تَقدم غير مرة ، منها عند قوله : { قال أو لم تؤمن } في سورة [ البقرة : 260 ] .

والرؤية عِلمية ، وفعلها معلق عن العمل بالاستفهام ب { أنى يُصْرَفُونَ } ، و ( أنَّى ) بمعنى ( كيف ) ، وهي مستعملة في التعجيب مثل قوله : { أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر } [ آل عمران : 47 ] أي أرأيت عجيب انصرافهم عن التصديق بالقرآن بصارف غير بيّن منشَؤه ، ولذلك بني فعل { يصرفون } للنائب لأن سبب صرفهم عن الآيات ليس غير أنفسهم . ويجوز أن تكون ( أنَّى ) بمعنى ( أين ) ، أي أَلا تعجبُ من أين يصرفهم صارف عن الإِيمان حتى جادلوا في آيات الله مع أن شُبَه انصرافهم عن الإِيمان منتفية بما تكرر من دلائل الآفاق وأنفسِهم وبما شاهدوا من عاقبة الذين جادلوا في آيات الله ممن سبقهم ، وهذا كما يقول المتعجب من فعل أحد « أين يُذْهَب بك » .

وبناء فعل { يصرفون } للمجهول على هذا الوجه للتعجيب من الصارف الذي يصرفهم وهو غير كائن في مكان غير نفوسهم .