جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصۡرَفُونَ} (69)

وقوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ أنّى يُصْرَفُونَ يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تر يا محمد هؤلاء المشركين من قومك ، الذين يخاصمونك في حجج الله وآياته أنّى يُصْرَفُونَ يقول : أيّ وجه يصرفون عن الحق ، ويعدلون عن الرشد ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أنّى يُصْرَفُونَ : أنى يكذبون ويعدلون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أنّى يُصْرَفُونَ قال : يُصْرَفُونَ عن الحقّ .

واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الاَية ، فقال بعضهم : عنى بها أهل القدر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قالا : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن محمد بن سيرين ، قال : إن لم تكن هذه الاَية نزلت في القدرية ، فإني لا أدري فيمن نزلت : ألَمْ تَرَ إلَى الّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ أنى يُصْرَفُونَ إلى قوله : لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئا كذَلكَ يُضِلّ اللّهُ الكافِرِينَ .

حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن ابن سيرين ، قال : إن لم يكن أهل القدر الذين يخوضون في آيات الله فلا علم لنا به .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك بن أبي الخير الزيادي ، عن أبي قبيل ، قال : أخبرني عقبة بن عامر الجهني ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «سَيَهْلِكُ مِنْ أُمّتِي أهْلُ الكِتابِ ، وأهْلُ اللّينِ » فقال عقبة : يا رسول الله ، وما أهل الكتاب ؟ قال : «قَوْمٌ يَتَعَلّمُونَ كِتابَ اللّهِ يُجادِلُونَ الّذِينَ آمَنُوا » ، فقال عقبة : يا رسول الله ، وما أهل اللّين ؟ قال : «قَوْمٌ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ ، ويُضَيّعُونَ الصّلَوَاتِ » . قال أبو قبيل : لا أحسب المكذّبين بالقدر إلا الذين يجادلون الذين آمنوا ، وأما أهل اللّين ، فلا أحسبهم إلا أهل العمود ليس عليهم إمام جماعة ، ولا يعرفون شهر رمضان .

وقال آخرون : بل عنى به أهل الشرك . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ألَمْ تَرَ إلَى الّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ أنى يُصْرَفُونَ قال : هؤلاء المشركون .

والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن زيد وقد بين الله حقيقة ذلك بقوله : الّذِينَ كَذّبُوا بالْكِتَابِ وبِمَا أرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا .