تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَا مَعَهُۥٓ أَخَاهُ هَٰرُونَ وَزِيرٗا} (35)

يقول تعالى متوعداً من كذّب رسولَه محمداً ، صلوات الله وسلامه عليه ، من مشركي قومه ومن خالفه{[21522]} ، ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه ، مما أحله بالأمم الماضية المكذبين لرسله ، فبدأ بذكر موسى ، عليه السلام ، وأنه ابتعثه وجعل معه أخاه هارون وزيرا ، أي : نبيًّا مُوَازرا ومؤيداً وناصراً ، فكذبهما فرعون وجنوده ، ف { دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } [ محمد : 10 ] . ، وكذلك فعلَ بقوم نوح حين كذّبوا رسوله نوحاً ، عليه السلام ، ومن كذب برسول فقد كذب بجميع الرسل ؛ إذ لا فرق بين رسول ورسول ، ولو فرض أن الله بعث إليهم كل رسول فإنهم كانوا يكذبونه ؛ ولهذا قال : { وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ } ، ولم يبعث إليهم إلا نوح فقط ، وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، يدعوهم إلى الله ، ويحذرهم نقَمه ، فما آمن معه إلا قليل . ولهذا أغرقهم الله جميعا ، ولم يَبق منهم أحد ، ولم يبق على وجه الأرض من بني آدم سوى أصحاب السفينة فقط .

{ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً } أي : عبرة يعتبرون بها ، كما قال تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [ الحاقة : 11 - 12 ] . أي : وأبقينا لكم من السفن ما تركبون في لُجَج البحار ، لتذكروا نعمة الله عليكم في إنجائكم من الغرق ، وجَعْلكم من ذرّية مَن آمن به وصَدّق أمره .


[21522]:- في ف ، أ : "خالفهم".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَا مَعَهُۥٓ أَخَاهُ هَٰرُونَ وَزِيرٗا} (35)

هذه الآية التي ذكر فيها الأمم هي تمثيل لهم وتوعد أن يحل بهم ما حل بهؤلاء المعذبين ، و { الكتاب } التوراة ، والوزير المعين ، وهو من تحمل الوزر أي ثقل الحال أو من الوزر الذي هو ملجأ{[8826]}


[8826]:قال في (اللسان- وزر): والوزر: الملجأ، وأصل الوزر الجبل المنيع، وكل معقل وزر، وفي التنزيل العزيز: {كلا لا وزر}.