تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ} (42)

ذكر [ الله ]{[21712]} تعالى هذه المناظرة الفعلية بين موسى والقبط في " سورة الأعراف " وفي " سورة طه " وفي هذه السورة : وذلك أن القبط أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، فأبى{[21713]} الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون . وهذا شأن الكفر والإيمان ، ما تواجها وتقابلا إلا غلبه الإيمان ، { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } [ الأنبياء : 18 ] ، { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } [ الإسراء : 81 ] ، ولهذا لما جاء السحرة ، وقد جمعوهم من أقاليم بلاد مصر ، وكانوا إذ ذاك أسحر الناس وأصنعهم وأشدهم تخييلا في ذلك ، وكان السحرة جمعًا كثيرًا ، وجمًا غفيرًا ، قيل : كانوا اثني عشر ألفًا . وقيل : خمسة عشر ألفًا . وقيل : سبعة عشر ألفًا وقيل : تسعة عشر ألفًا . وقيل : بضعة وثلاثين ألفًا . وقيل : ثمانين ألفًا . وقيل غير ذلك ، والله أعلم بعدتهم .

قال ابن إسحاق : وكان أمرهم راجعًا إلى أربعة منهم وهم رؤساؤهم : وهم : ساتور وعازور{[21714]} وحطحط{[21715]} ويصقى .

واجتهد{[21716]} الناس في الاجتماع ذلك اليوم ، وقال قائلهم : { لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ [ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ] }{[21717]} ، ولم يقولوا : نتبع الحق سواء كان من السحرة أو من موسى ، بل الرعية على دين ملكهم . { فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ } أي : إلى مجلس فرعون وقد ضرب له وطاقا ، وجمع حشمه وخدمه [ وأمراءه ]{[21718]} ووزراءه ورؤساء دولته وجنود مملكته ، فقام السحرة بين يدي فرعون{[21719]} يطلبون منه الإحسان إليهم والتقرب إليه إن غلبوا ، أي : هذا الذي جمعتنا من أجله ، فقالوا : { أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } أي : وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي . فعادوا إلى مقام المناظرة { قَالُوا{[21720]} يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا } [ طه : 65 ، 66 ] ، وقد اختصر هذا هاهنا فقال لهم موسى : { أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ } ، وهذا كما يقوله الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئا : هذا بثواب فلان . وقد ذكر الله في سورة الأعراف : أنهم { سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } [ الأعراف : 116 ] ، وقال في " سورة طه " : { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } [ طه : 66 ، 69 ] .

وقال هاهنا : { فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } أي : تختطفه{[21721]} وتجمعه من كل بقعة وتبتلعه فلم تدع منه شيئا .

قال تعالى : { فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ . وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ . قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } [ الأعراف : 118 - 122 ] وكان هذا أمرا عظيما جدًا ، وبرهانًا قاطعًا للعذر وحجة دامغة ، وذلك أن الذين استنصر بهم وطلب منهم أن يغلبوا ، قد غلبوا وخضعوا وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة ، وسجدوا لله رب العالمين ، الذي أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة ، فَغُلِبَ فرعون غَلبًا لم يشاهد العالم مثله ، وكان وقحًا جريئًا عليه لعنة الله ، فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل ، فشرع يتهددهم ويتوعدهم ، ويقول : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } [ طه : 71 ] ، وقال : { إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 123 ] .


[21712]:- زيادة من ف ، أ.
[21713]:- في ف ، أ : "فيأبى".
[21714]:- في ف ، أ : "وعادون".
[21715]:- في أ. "وحطحة".
[21716]:- في أ : "وحشر".
[21717]:- زيادة من ف.
[21718]:- زيادة من أ.
[21719]:- في ف ، أ : "بين يديه".
[21720]:- في أ : "فقالوا" وهو خطأ.
[21721]:- في ف ، أ : "تخطفه".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ} (42)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا جَآءَ السّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنّ لَنَا لأجْراً إِن كُنّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنّكُمْ إِذاً لّمِنَ الْمُقَرّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مّوسَىَ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مّلْقُونَ * فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزّةِ فِرْعَونَ إِنّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فَلَمّا جاءَ السّحَرَةُ فرعون لوعد لموسى وموعد فرعون قالُوا لِفرْعَوْنَ أئِنّ لَنا لأَجْرا سحرنا قبلك إنْ كُنّا نَحْنُ الغالِبِينَ موسى ، قالَ فرعون لهم نَعَمْ لكم الأجر على ذلك وَإنّكُمْ لَمِنَ المُقَرّبِينَ منا . فقالوا عند ذلك لموسى : إما أن تلقى ، وإما أن نكون نحن الملقين ، وترك ذكر قيلهم ذلك لدلالة خبر الله عنهم أنهم قال لهم موسى : ألقوا ما أنتم ملقون ، على أن ذلك معناه ف قالَ لَهُمْ مُوسَى ألْقُوا ما أنْتُمْ مُلْقُونَ من حبالكم وعصيكم فَأَلَقُوا حِبالَهُمْ وَعِصِيّهُمْ من أيديهم وَقالُوا بعزّةِ فرْعَوْنَ يقول : أقسموا بقوّة فرعون وشدّة سلطانه ، ومنعة مملكته إنّا لَنَحْنُ الغالِبُونَ موسى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ} (42)

وقرأ عيسى «نعِم » بكسر العين ، والتقريب الذي وعدهم به فرعون هو الجاه الزائد على العطاء الذي طلبوه والقرب من الملك الذي كان عندهم إلههم ، واختلف الناس في عدد السحرة ، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم ، وكانوا مجموعين من مدائن مصر ريف النيل وهي كانت بلاد السحر الفرماء وأنصناء وغير ذلك ومعظمهم كان من الفرماء ، والحبال والعصي كانت أوقار إبل{[8925]} .


[8925]:الأوقار: جمع وقر وهو الحمل الثقيل- يقول: إن العصي كانت من الكثرة بحيث لا تحملها إلا الإبل الكثيرة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ} (42)

سؤالهم عن استحقاق الأجر إدلال بخِبرتهم وبالحاجة إليهم إذ علموا أن فرعون شديد الحرص على أن يكونوا غالبين وخافوا أن يُسَخِّرهم فرعون بدون أجر فشرطوا أجرهم من قبل الشروع في العمل ليقيدوه بوعده .