تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنجَيۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ} (65)

{ وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ } أي : أنجينا موسى وبني إسرائيل ومن معهم على دينهم فلم يهلك{[21746]} منهم أحد ، وأغرق فرعون وجنوده ، فلم يبق منهم رجل{[21747]} إلا هلك .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ، حدثنا شبابة ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - أن موسى ، عليه السلام ، حين أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون ذلك ، فأمر بشاة فذبحت ، ثم قال : لا والله لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع إليّ ستمائة ألف من القبط . فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر ، فقال له : انفرق . فقال البحر : لقد استكبرت يا موسى ، وهل انفرقت{[21748]} لأحد من ولد{[21749]} آدم فأنفرق{[21750]} لك ؟ قال : ومع موسى رجل على حصان له ، فقال له ذلك الرجل : أين أمرتَ يا نبي الله ؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه [ يعني : البحر ، فأقحم فرسه ، فسبح به فخرج ، فقال : أين أمرت يا نبي الله ؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه ]{[21751]} . قال : والله ما كَذَبت ولا كُذبت . ثم اقتحم الثانية فسبح ، ثم خرج فقال : أين أمرت يا نبي الله ؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه ؟ قال : والله ما كَذَبت{[21752]} ولا كُذبت . قال : فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه موسى بعصاه ، فانفلق ، فكان فيه اثنا عشر طريقًا ، لكل سبط طريق يتراءون ، فلما خرج أصحاب موسى وتَتَامّ أصحابُ فرعون ، التقى البحر عليهم فأغرقهم .

وفي رواية إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله قال : فلما خَرَج آخر أصحاب موسى ، وتكامل أصحاب فرعون ، اضطم عليهم البحر ، فما رُئِيَ سواد أكثر من يومئذ ، وغرق فرعون لعنه الله .


[21746]:- في أ : "نهلك".
[21747]:- في ف : "رجل منهم".
[21748]:- في ف ، أ : "فرقت".
[21749]:- في أ : "بني".
[21750]:- في أ : "فأفرق".
[21751]:- زيادة من ف ، أ.
[21752]:- في أ : "ما كذب".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَنجَيۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ} (65)

وقوله : وأنجَيْنا مُوسَى وَمَنْ مَعَه أجَمعِينَ يقول تعالى ذكره : وأنجينا موسى مما أتبعنا به فرعون وقومه من الغرق في البحر ومن مع موسى من بني إسرائيل أجمعين ، وقوله : ثُمّ أغْرَقْنا الاَخَرِينَ يقول : ثم أغرقنا فرعون وقومه من القبط في البحر بعد أن أنجينا موسى منه ومن معه ، وقوله : إنّ فِي ذلكَ لاَيَةً يقول تعالى ذكره : إن فيما فعلت بفرعون ومن معه تغريقي إياهم في البحر إذ كذّبوا رسولي موسى ، وخالفوا أمري بعد الإعذار إليهم ، والإنذار لدلالة بينة يا محمد لقومك من قريش على أن ذلك سنتي فيمن سلك سبيلهم من تكذيب رسلي ، وعظة لهم وعبرة أن ادّكروا واعتبروا أن يفعلوا مثل فعلهم من تكذيبك مع البرهان والاَيات التي قد أتيتهم ، فيحلّ بهم من العقوبة نظير ما حلّ بهم ، ولك آية في فعلي بموسى ، وتنجيتي إياه بعد طول علاجه فرعون وقومه منه ، وإظهاري إياه وتوريثه وقومه دورهم وأرضهم وأموالهم ، على أني سالك فيك سبيله ، إن أنت صبرت صبره ، وقمت من تبليغ الرسالة إلى من أرسلتك إليه قيامه ، ومظهرك على مكذّبيك ، ومعليك عليهم ، وما كان أكثرهم مؤمنين يقول : وما كان أكثر قومك يا محمد مؤمنين بما أتاك الله من الحقّ المبين ، فسابق في علمي أنهم لا يؤمنون وَإنّ رَبّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ في انتقامه ممن كفر به وكذب رسله من أعدائه ، الرّحِيمُ بمن أنجى من رسله ، وأتباعهم من الغرق والعذاب الذي عذّب به الكفرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنجَيۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ} (65)

{ وأزلفنا } معناه قربنا ، وقرأ ابن عباس عن أبي بن كعب «وأزلقنا » بالقاف ونسبها أو الفتح إلى عبد الله بن الحارث{[8943]} ، وقرأ أبو حيوة والحسن «زلفنا » بغير ألف وذلك أن فرعون لما وصل إلى البحر وقد دخل بنو إسرائيل قيل إنه صمم ومخرق ، بأن قال لي انفرق ، فدخل على ذلك ، وقيل بل كع{[8944]} وهم بتدبير الانصراف فعرض جبريل على فرس وديق{[8945]} فمضى وراءه حصان فرعون ، فدخل على نحو هذا وتبعه الناس ، وروي أن الله تعالى جعل ملائكة تسوق قومه حتى حصولهم في البحر ، ثم إن موسى وقومه خرجوا إلى البر من تلك الطرق ولما أحسوا باتباع فرعون وقومه فزعوا من أن يخرج وراءهم ، فهم موسى بخلط البحر فحينئذ قيل له : اترك البحر رهواً{[8946]} ، ولما تكامل جند فرعون وهو مقدمهم بالخروج انطبق عليهم البحر وغرقوا ، ودخل موسى عليه السلام البحر بالطول . وخرج في الضفة التي دخل منها بعد مسافة وكان بين موضع دخوله وموضع خروجه أوعار وجبال ولا تسلك إلا على تخليق الأيام ، وكان ذلك في يوم عاشوراء ، وقال النقاش البحر الذي انفلق لموسى نهر النيل بين إيلة ومصر .

قال القاضي أبو محمد : وهذا مردود إن شاء الله .


[8943]:قال أبو الفتح في كتابه "المحتسب" بعد أن نسب القراءة إلى عبد الله: "من قرأ: [وأزلفنا] بالفاء فالآخرون موسى عليه السلام وأصحابه، ومن قرأها بالقاف فالآخرون فرعون وأصحابه، أي: أهلكنا ثم الآخرين، أي : فرعون وأصحابه".
[8944]:كع: جبن وضعف، يقال: كع كعا وكعوعا فهو وكاع. (المعجم الوسيط).
[8945]:يعني أنها فرس استسلمت لحصان فرعون، بأن قربت منه، وأمكنته منها، واستأنست له، وفي المثل: "ودق العير إلى الماء" أي: دنا منه، يضرب لمن خضع للشيء. (راجع الصحاح والمعجم الوسيط).
[8946]:من الآية 24 من سورة الدخان.