الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلۡقُواْ مَآ أَنتُم مُّلۡقُونَ} (80)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 79]

يقول تعالى ذكره: وقال فرعون لقومه:"ائتوني بكلّ" من يسحر من السحرة، "عليم "بالسحر.

فلما جاء السحرة فرعون، قال موسى: "ألقوا ما أنتم ملقون" من حبالكم وعصيكم وفي الكلام محذوف قد ترك، وهو: فأتوه بالسحرة، فلما جاء السحرة، ولكن اكتفى بدلالة قوله: "فَلَمّا جاءَ السّحَرَةُ" على ذلك، فترك ذكره. وكذلك بعد قوله: "ألْقُوا ما أنْتُمْ مُلْقُونَ" محذوف أيضا قد ترك ذكره، وهو: فألقوا حبالهم وعصيهم، فلما ألقوا قال موسى، ولكن اكتفى بدلالة ما ظهر من الكلام عليه، فترك ذكره.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

حكى الله تعالى أن السحرة الذين طلبهم فرعون وأمر بإحضارهم لما جاءوا فرعون وموسى حاضر "قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون "وهذا ظاهره الأمر ويحتمل أمرين: أحدهما -أن يكون قال ذلك على سبيل التحدي والإلزام بمعنى: من كان عنده أنه يقاوم المعجزات لزمه أن يأتي بها معه حتى تظهر منزلته، وإنما جاز إلزام الباطل على الخصم ليتبين أن أصله الفاسد يوجب عليه اعتقاد ذلك الباطل... الثاني- أن يكون ذلك أمرا على الحقيقة بدليل أن كان معه قوله "ألقوا ما أنتم ملقون" إنما لم يقتصر على قوله "ألقوا" لأن المراد به ألقوا جميع ما أنتم ملقون... والإلقاء: إخراج الشيء عن اليد إلى جهة الأرض... وفي الكلام حذف، لأن تقديره قال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم فأتوه بهم فقال لهم موسى.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

فلما ورد السحرة باستعدادهم للمعارضة خيّروا موسى كما ذكر في غير هذه الآية، فقال لهم عن أمر الله: {ألقوا ما أنتم ملقون}.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان التقدير: فامتثلوا أمره وجمعوهم، دل على قرب اجتماعهم بالفاء في قوله: {فلما جاء السحرة} أي كل من في أرض مصر منهم، {قال لهم موسى} مزيلاً لهذا الإيهام {ألقوا} جميع {ما أنتم ملقون} أي راسخون في صنعة إلقائه، إشارة إلى أن ما جاؤوا به ليس أهلاً لأن يلقى إليه بال.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ} أي ملقون له كائناً ما كان من أصناف السحر.

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

والأَمر للتهديد وللإِذن في تقديم ما هم فاعلوه ولا بد توسلا به إِلى إِظهار الحق وإِلا فالسحر لا يجوز الأَمر به لأَنه ذنب.

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

قال بعضهم: جواز الأمر بالسحر لدحضه، وكذلك طلب إيراد الشبه لتحل.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

أي: أي شيء أردتم، لا أعين لكم شيئًا، وذلك لأنه جازم بغلبته، غير مبال بهم، وبما جاءوا به.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة: {فلما جاء السحرة} عطف على جملة: {وقال فرعون}، عُطف مجيء السحرة وقول موسى لهم على جملة {قال فرعون} بفاء التعقيب للدلالة على الفور في إحضارهم وهو تعقيب بحسب المتعارف في الإسراع بمِثل الشيء المأمور به، والمعطوف في المعنى محذوف لأن الذي يعقُب قوله: {ائتوني بكل ساحر} هو إتيانهم بهم، ولكن ذلك لقلة جدواه في الغرض الذي سيقت القصة لأجله حذف استغناء عنه بما يقتضيه ويدل عليه دلالة عقلية ولفظية من قوله: {جاء السحرة} على طريقة الإيجاز. والتقدير: فأتوه بهم فلما جاءوا قال لهم موسى. والتعريف في {السحرة} تعريف العهد الذكري.

وإنما أمرهم موسى بأن يبتدئوا بإلقاء سحرهم إظهاراً لقوة حجته لأن شأن المبتدئ بالعمل المتباري فيه أن يكون أمكن في ذلك العمل من مباريه، ولا سيما الأعمال التي قوامها التمويه والترهيب، والتي يتطلَّب المستنصر فيها السبق إلى تأثر الحاضرين وإعجابهم، وقد ذكر القرآن في آيات أخرى أن السحرة خَيَّروا موسى بين أن يبتدئ هو بإظهار معجزته وبين أن يبتدئوا، وأن موسى اختار أن يكونوا المبتدئين.

وفعل الأمر في قوله: {ألقوا ما أنتم ملقون} مستعمل في التسوية المرادِ منها الاختيار وإظهار قلة الاكتراث بأحد الأمرين.

والإلقاء: رمي شيء في اليد إلى الأرض. وإطلاق الإلقاء على عمل السحر لأن أكثر تصاريف السحرة في أعمالهم السحرية يكون برمي أشياء إلى الأرض. وقد ورد في آيات كثيرة أنهم ألقوا حبالهم وعصيهم، وأنها يخيَّل من سحرهم أنها تسعى، وكان منتهى أعمال الساحر أن يخيل الجماد حياً.

و {ما أنتم ملقون} قصد به التعميم البدلي، أيّ شيء تلقونه، وهذا زيادة في إظهار عدم الاكتراث بمبلغ سحرهم، وتهيئة للملأ الحاضرين أن يعلموا أن الله مبطل سحرهم على يد رسوله.

ولا يشكل أن يأمرهم موسى بإلقاء السحر بأنه أمر بمعصية لأن القوم كانوا كافرين والكافر غير مخاطب بالشرائع الإلهية، ولأن المقصود من الأمر بإلقائه إظهار بطلانه فذلك بمنزلة تقرير شبهة الملحد ممن يتصدى لإبطالها بعد تقريرها مثل طريقة عضد الدين الأيجي في كتابه « المواقف».

وقد طوي ذكر صورة سحرهم في هذه الآية، لأن الغرض من العبرة في هذه الآية وصف إصرار فرعون وملئه على الإعراض عن الدعوة، وما لقيه المستضعفون الذين آمنوا بموسى عليه السلام من اعتلاء فرعون عليهم وكيف نصر الله رسوله والمستضعفين معه، وكيف كانت لهم العاقبة الحسنى ولمن كفروا عاقبة السوء، ليكونوا مثلاً للمكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم ولذلك لم يعرّج بالذّكر إلا على مقالة موسى عليه السلام حين رأى سحرهم الدالة على يقينه بربّه ووعده، وبأن العاقبة للحق. وذلك أهم في هذا المقام من ذكر اندحاض سحرهم تجاه معجزة موسى عليه السلام، ولأجل هذا لم يذكر مفعول {ألقوا} لتنزيل فعل {ألقوا} منزلة اللازم، لعدم تعلق الغرض ببيان مفعوله...