الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا ٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِـِٔينَ} (97)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قال ولد يعقوب الذين كانوا فرّقوا بينه وبين يوسف: يا أبانا سل لنا ربك يعف عنا ويستر علينا ذنوبنا التي أذنبناها فيك وفي يوسف فلا يعاقبنا بها في القيامة "إنّا كُنّا خاطِئِينَ "فيما فعلنا به، فقد اعترفنا بذنوبنا. قال: "سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي" يقول جل ثناؤه: قال يعقوب: سوف أسأل ربي أن يعفو عنكم ذنوبكم التي أذنبتموها فيّ وفي يوسف.

ثم اختلف أهل التأويل في الوقت الذي أخر الدعاء إليه يعقوب لولده بالاستغفار لهم من ذنبهم؛

فقال بعضهم: أخر ذلك إلى السحر...

وقال آخرون: أخّر ذلك إلى ليلة الجمعة...

حدثني المثنى، قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي، قال: حدثنا الوليد، قال: أخبرنا ابن جُريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي يقول: «حَتّى تَأُتِيَ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ. وهو قَوْلُ أخي يَعْقُوبَ لبَنِيهِ»...

وقوله: "إنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرّحِيمُ" يقول: إن ربّي هو الساتر على ذنوب التائبين إليه من ذنوبهم الرحيم بهم أن يعذّبهم بعد توبتهم منها.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

كلُّ إنسانٍ وهمُّه؛ وَقَعَ يعقوبُ ويوسفُ عليهما السلام في السرور والاستبشار، وأَخَذَ إخوةُ يوسف في الاعتذار وطَلَبَ الاستغفار. ويقال إخوة يوسف -وإنْ سَلَفَتْ منهم الجفوة- كلَّموا أباهم بلسان الانبساط لتقديم شفقةِ الأبوةِ على ما سَبَقَ منهم من الخطيئة. ويقال يومٌ بيومٍ، اليوم الذي كان يعقوب محزوناً بغيبة يوسف فلا جَرَمَ اليوم كان يعقوب مسروراً بقميص يوسف، وكان الأخوة في الخَجلة مما عملوا بيوسف...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

... وإنما سألوه المغفرة؛ لأنهم أدخلوا عليه من ألم الحزن ما لم يسقط المأثم عنه إلا بإحلاله. قلت: وهذا الحكم ثابت فيمن آذى مسلما في نفسه أو ماله أو غير ذلك ظالما له، فإنه يجب عليه أن يتحلل له ويخبره بالمظلمة وقدرها...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

{قَالُواْ يأَبَانَا استغفر لَنَا ذُنُوبَنَا} طلبوا منه عليه السلام الاستغفار، ونادوه بعنوان الأبوة تحريكاً للعطف والشفقة وعللوا ذلك بقولهم: {إِنَّا كُنَّا خاطئين} أي ومن حق المعترف بذنبه أن يصفح عنه ويستغفر له، وكأنهم كانوا على ثقة من عفوه ولذلك اقتصروا على طلب الاستغفار وأدرجوا ذلك في الاستغفار...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

والفارق بين جواب يعقوب وجواب يوسف من وجوه كثيرة اقتضتها الحكمة:

(1) إن حال أبيهم معهم حال المربي المرشد للمذنب، لا حال المنتقم الذي يُخشى أذاه، وليس من حسن التربية ولا من طرق التهذيب أن يريهم أن ذنبهم هين لديه حتى يعجل بإجابة مطلبهم بالاستغفار لهم.

(2) إن ذنبهم لم يكن موجها إليه مباشرة، بل موجه إلى يوسف وأخيه، ثم إليه بالتبع واللزوم، إلى أنه ليس من العدل أن يستغفر لهم إلا بعد أن يعلم حالهم مع يوسف وأخيه، ولم يكن يعقوب قد علم بعفو يوسف عنهم واستغفاره لهم.

(3) إن هذا ذنب كبير وإثم عظيم طال عليه الأمد، وحدثت منه أضرار نفسية وخلقية وأعمال كان لها خطرها، فلا يمحى إلا بتوبة نصوح تجتث الجذور التي علقت بالأنفس، والأرجاس التي باضت وأفرخت فيها. فلا يحسن بعدئذ من المربي الحكيم أن يسارع إلى الاستغفار لمقترفها عقب طلبه حتى كأنها من هينات الأمور التي تغفر ببادرة من الندم، ومن ثم تلبث في الاستغفار لهم إلى أجل، ليعلمهم عظيم جرمهم، ويعلمهم بأنه سوف يتوجه إلى ربه ويطلب لهم الغفران منه بفضله ورحمته.

(4) إن حال يوسف معهم كان حال القادر بل المالك القاهر مع مسيء ضعيف لديه، عظم جرمه عليه، فلم يشأ أن يكون الغفران بشفاعته ودعائه، فآمنهم من خوف الانتقام تعجيلا للسرور بالنعمة الجديدة التي جعل الله أمرها بين يديه، وليروا ويرى الناس فضل العفو عند القدرة، وليكون لهم في ذلك أحسن الأسوة، وفي هذا من ضروب التربية أكبر العظة، ولو أخر المغفرة لكانوا في وجل مما سيحل بهم، ولخافوا شر الانتقام، فكانوا في قلق دائم وتبلبل بال واضطراب نفس، فكان توجسهم له عذابا فوق العذاب الذي هم فيه، ولكن شاءت رحمته بهم أن يجعل السرور عاما والحياة الجديدة حافلة بالاطمئنان وقرة العين...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

لقد أحسوا بعظم الذنب، وهو أول طريق التوبة وندموا على ما فعلوا، وطلبوا المغفرة، وبذلك توافرت عناصر التوبة طلبوا من بعد ذلك أن يطلب أبوهم المغفرة، لأنه مع الذنب العظيم هو المجني عليه، وهم يطلبون مرضاته، وفتح قلبه لهم وهو القريب إلى الله، ولذا لجأوا إليه، وعبروا ب {إنا كنا خاطئين} آثمين غير مدركين سوء المغبة...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

اعترفوا بالخطأ ووعدهم بالاستغفار {قَالُواْ يا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} فقد عشنا حياة الحقد والضغينة ضد أخوينا، حتى آذيناهما غاية الإيذاء، وعرّضنا حياة أخينا يوسف للخطر، وبعناه بثمن بخس دراهم معدودةً، وحمّلناك من الهموم ما أثقل حياتك، وأفقدك بصرك، فلم تستمتع بحنانك وعطفك عليه، ونحن لم نفسح لك المجال للراحة... ولكن الله أراد غير ما أردنا، ودبّر غير ما دبرنا، فرفع أخانا ووضعنا، فكنا في موضع الخطيئة التي ترهق أرواحنا وضمائرنا، وتشوّه شعورنا بصفاء الحياة وطهارتها من حولنا، فاستغفر لنا ذنوبنا، لأننا لا نملك الكلمة الطاهرة التي نتوجّه بها إلى الله، ولا نملك الروح الصافية التي ينفتح فيها دعاؤنا عليه من خلالها؛ أما أنت فإنك تملك الروح الصافية التي ينفتح فيها الإيمان، من موقع النبوّة، وروح الطهر من موقع الأبوّة الطاهرة. وكان أبوهم عند حسن ظنهم فاستجاب لهم ووعدهم بالاستغفار في الوقت الذي يستجيب الله فيه دعاء الداعين، واستغفار المستغفرين...