الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَمَا تَسۡـَٔلُهُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ} (104)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وما تسألهم عليه من أجر}، يعني على الإيمان من جُعْل، {إن هو}، يعني: القرآن، {إلا ذكر للعالمين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم: وما تسأل يا محمد هؤلاء ينكرون نبوّتك ويمتنعون من تصديقك والإقرار بما جئتهم به من عند ربك على ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لربك وهجر عبادة الأوثان وطاعة الرحمن "مِنْ أَجْرٍ "يعني من ثواب وجزاء منهم، بل إنما ثوابك وأجر عملك على الله، يقول: ما تسألهم على ذلك ثوابا، فيقولوا لك: إنما تريد بدعائك إيانا إلى اتباعك لننزل لك عن أموالنا إذا سألتنا ذلك، وإذ كنت لا تسألهم ذلك فقد كان حقا عليهم أن يعلموا أنك إنما تدعوهم إلى ما تدعوهم إليه اتباعا منك لأمر ربك ونصيحة منك لهم، وأن لا يستغشوك.

وقوله: "إن هُوَ إلاّ ذِكْرٌ للعالَمِينَ" يقول تعالى ذكره: ما هذا الذي أرسلك به ربك يا محمد من النبوّة والرسالة إلا ذكر، يقول: إلا عظة وتذكير للعالمين، ليتعظوا ويتذكروا به.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

(وما تسألهم عليه من أجر) أي على ما تبلغ إليهم، وتدعوهم إلى طاعة الله وجعل العبادة له وتوجيه الشكر إليه، لا تسألهم على ذلك أجرا. فما الذي يمنعهم عن الإجابة لك والائتمار بأمرك؟ هذا يدل أنه لا يجوز أخذ الأجر على الطاعات والعبادات...

(وما تسألهم عليه من أجر) وجهان:

أحدهما: أنه ليس يسألهم على الذي يبلغه، ويدعوهم إليه أجرا حتى يمنع بذل ذلك وثقله عن الإجابة.

والثاني: إخبار أن ليس له أن يأخذ وأن يجمع من الدنيا شيئا كقوله تعالى: (لا تمدن عينيك) الآية [الحجر: 88]...

(إن هو إلا ذكر للعالمين) أي هذا القرآن الذي تبلغهم ليس إلا ذكرى للعالمين، وهو عظة للعالمين أو هو نفسه عظة وذكر للعالمين؛ أعني النبي صلى الله عليه وسلم.

(إن هو إلا ذكر للعالمين) أي شرف وذكرى لمن اتبعه وقام به...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ومعنى الآية: إنك لست تسألهم على إبلاغك إياهم ما أوحى الله به إليك، ولا على ما تدعوهم إليه من الإيمان أجرا، فيكون تركهم لذلك إشفاقا من إعطاء الأجر، بل هم يزهدون في الحق مع أمنهم من إعطاء الأجر...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

هذه سُنَّةُ الله -سبحانه- مع أنبيائه حيث أَمَرَهُم بألا يأخذوا على تبليغ الرسالة عِوَضَاً ولا أجراً، وكذلك أمره للعلماءِ- الذين هم وَرثَةُ الأنبياء عليهم السلام- بأَلاّ يأخذوا مِنَ الخْلقِ عِوَضاً على دعائهم إلى الله. فَمنْ أخذ منهم حَظا من الناس لم يُبَارَكْ للمستمِع فيما يسمع منه؛ فلا له أيضاً بركة فيما يأخذ منهم فتنقطع به...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَمَا تَسْئَلُهُمْ} على ما تحدثهم به وتذكرهم أن ينيلوك منفعة وجدوى، كما يعطى حملة الأحاديث والأخبار {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة من الله {للعالمين} عامة، وحث على طلب النجاة على لسان رسول من رسله...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{وما تسألهم} الآية، توبيخ للكفرة وإقامة الحجة عليهم، أي ما أسفههم في أن تدعوهم إلى الله دون أن تبغي منهم أجراً فيقول قائل: بسبب الأجر يدعوهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر تعالى ما هم عليه من الكفر، ذكر ما يعجب معه منه فقال: {وما} أي هم على ذلك والحال أن موجب إيمانهم موجود، وذلك أنك -مع دعائهم إلى الطريق الأقوم وإتيانك عليه بأوضح الدلائل ما {تسئلهم عليه} أي هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك، وأعرق في النفي فقال: {من أجر} حتى يكون سؤالك سبباً لأن يتهموك أو يقولوا: لولا أنزل عليه كنز ليستغني به عن سؤالنا.

ولما نفى عنهم سؤالهم الأجر، نفى عن هذا الذكر كل غرض دنيوي فقال: {إن هو} أي هذا الكتاب {إلا ذكر} أي تذكير وشرف {للعالمين} قال الرماني: والذكر: حضور المعنى للنفس، والعالَم: جماعة الحيوان الكثيرة التي من شأنها أن تعلم، لأنه أخذ من العلم، وفيه معنى التكثير...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وإنك لغني عن إيمانهم فما تطلب منهم أجرا على الهداية؛ وإن شأنهم في الإعراض عنها لعجيب، وهي تبذل لهم بلا أجر ولا مقابل: (و ما تسألهم عليه من أجر، إن هو إلا ذكر للعالمين).. تذكرهم بآيات الله، وتوجه إليها أبصارهم وبصائرهم، وهي مبذولة للعالمين، لا احتكار فيها لأمة ولا جنس ولا قبيلة، ولا ثمن لها يعجز عنه أحد، فيمتاز الأغنياء على الفقراء، ولا شرط لها يعجز عنه أحد فيمتاز القادرون على العاجزين. إنما هي ذكرى للعالمين. ومائدة عامة شاملة معروضة لمن يريد...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

الضمير في {عليه}، يعود إلى أنباء الغيب والقرآن، والتبليغ بهذا الدين، وما تسألهم على هذا التبليغ بهذه الأنباء وبالوحدانية، لا تسألهم أي أجر، ف {من} لبيان عموم النفي لا تسألهم أي أجر من أنواع الأجور، لا تسألهم رياسة، ولا إمرة ولا شيئا من هذه الأمور الدنيوية، ولقد عرضوا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الأمر والسيادة، وقالوا إن أردت سودناك، وعرضوا عليه الأموال، ورضوا بأن يعطوه كل جاه ومال، وأن يتركهم وما يعبدون، ولكنه حقر ما يعرضون بجوار ما يدعوهم إليه من التوحيد، وعدم الشرك. بل قال الله تعالى في رد ما يعرضون {إن هو إلا ذكر للعالمين}، {إن} هي النافية والضمير يعود إلى التبليغ وما يتضمنه من القرآن الكريم، وقصصه الحق الموحى به، ليس هذا إلا تذكير للعالمين، لأهل العقل في هذه الدنيا.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وفي هذا القول الكريم ما يوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل قومه أجراً على هدايته لهم؛ لأن أجره على الله وحده. والحق سبحانه هو القائل: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} [الطور: 40] والحق سبحانه يقول على لسان رسوله في موقع آخر: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ} [سبأ: 47] وهو هنا يُعلِي الأجر، فبدلاً من أن يأخذ الأجر من محدود القدرة على الدَّفْع، فهو يطلبها من الذي لا تُحَدّ قدرته في إعطاء الأجر؛ فكأن العمل الذي يقوم به لا يمكن أن يُجَازى عليه إلا من الله؛ لأن العمل الذي يؤديه بمنهج الله ومن الله، فلا يمكن أن يكون الأجر عليه من أحد غير الله...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

أجر الداعية على الله: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} إن عليك أن تتابع مسيرتك مهما لاقيت من صعوبات ومهما واجهت من تحديات، لأنك لن تفقد شيئاً في هذا السبيل، لأن الذين يخافون من ضغوطات المجتمع عليهم، أو انحساره عنهم، هم الذين يتقدمون منه، ليأخذوا أجراً على جهدهم، من مال وجاه وشهرة، أو موقع قوة يمكنهم من تحقيق بعض الأغراض الذاتية، ولهذا فإنهم يخشون على كل هذه الامتيازات المطلوبة، من الضياع. أمّا الرسل والدعاة فهم لا يريدون أجراً على جهدهم إلا من الله، لأنهم يتحركون من مواقع الرسالة، لذا فهم لا يجدون ما يفقدونه، أو يخسرونه من أموال الناس وامتيازاتهم، لأن القرآن، في فكره وشريعته ومنهجه، ليس سلعةً للتجارة، {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} في ما يريد الله أن يذكر الناس به مما يرفع مستواهم في الحياة، ليعرفوا أن الدنيا ليست فرصة للهو والعبث، بل هي فرصةً لإقامة الحق والعدل، والطاعة لله، والعبودية له في جميع ذلك؛ حتى اللهو أو العبث عندما يسمح الله به، فإنه لا بد أن يكون بالطريقة التي تجدد نشاط الإنسان، وتغذي حيويته، ولا تبعد روحه، ووعيه للحياة عن الله، ليدرك بعد ذلك، أن الآخرة شيءٌ لا يتنكر لحاجات الدنيا الواقعية التي تحفظ للإنسان حياته وتحقق له وجوده...