وأمام نشأة الحياة البشرية . وفي ظل مشهد الحياة والموت . وحقيقة الإنشاء والإبداع . . يبدو الجدال في آيات الله مستغرباً مستنكراً ؛ ويبدو التكذيب بالرسل عجياً نكيراً . ومن ثم يواجهه بالتهديد المخيف في صورة مشهد من مشاهد القيامة العنيفة :
ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون ? الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون . إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ، في الحميم ثم في النار يسجرون . ثم قيل لهم : أين ما كنتم تشركون من دون الله ? قالوا : ضلوا عنا ، بل لم نكن ندعو من قبل شيئاً . كذلك يضل الله الكافرين . ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق ، وبما كنتم تمرحون . ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها . فبئس مثوى المتكبرين . .
إنه التعجيب من أمر الذين يجادلون في آيات الله ، في ظل استعراض هذه الآيات . مقدمة لبيان ما ينتظرهم هناك !
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله} يعني آيات الله القرآن أنه ليس من الله عز وجل.
{أنى يصرفون}: من أين يعدلون عنه إلى غيره.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ أنّى يُصْرَفُونَ" يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد هؤلاء المشركين من قومك، الذين يخاصمونك في حجج الله وآياته "أنّى يُصْرَفُونَ "يقول: أيّ وجه يصرفون عن الحق، ويعدلون عن الرشد.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ألم تر} هو حقيقة الرؤية والنظر، ويحتمل: {ألم تر} ألم تعلم؛ معناه: ألم تعلم سفه الذين يجادلون في آيات الله أو جهل {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ} أي في دفع آيات الله بغير سلطان أتاهم. فعلى ذلك هذا.
{أَنَّى يُصْرَفُونَ} أي أيّ حجة تصرفهم؟ أي صرفتم عن آيات الله، أو من أين يصرفون؟ ويعرضون عن آيات الله بعد ما تقرّر عندهم أنها آيات الله؟.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما علم من هذا أنه لا كلفة عليه في شيء من الأشياء بهذه الأمور المشاهدة في أنفسهم وفي الآفاق أنتج التعجب من حالهم لمن له الفهم الثاقب والبصيرة الوقادة، وجعل ذلك آياته الباهرة وقدرته القاهرة الظاهرة، فلذلك قال لافتاً الخطاب إلى أعلى الخلق لأن ذم الجدال بالباطل من أجل مقصود هذه السورة: {ألم تر} أي يا أنور الناس قلباً وأصفاهم لباً، وبين بعدهم بأداة النهاية فقال: {إلى الذين يجادلون} أي بالباطل، ونبه على ما في هذه الآيات من عظمته التي لا نهاية لها بإعادة الاسم الجامع فقال: {في آيات الله} أي الملك الأعظم {أنَّى} أي وكيف ومن أي وجه.
{يُصرفون} عن الآيات الحقة الواضحة التي سبقت بالفطرة الأولى إلى جذور قلوبهم، فلا حجة يوردون ولا عذاب عن أنفسهم يردون، لأنه سبحانه استاقهم -كما قال ابن برجان- بسلاسل قهره المصوغة من خالص عزماتهم وعزائم إرادتهم من حقيقة ذواتهم إلى خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
بنيت هذه السورة على إبطال جدل الذين يجادلون في آيات الله جدال التكذيب والتورّك كما تقدم في أول السورة إذ كان من أولها قوله: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} وتكرر ذلك خمس مرات فيها، فنبه على إبطال جدالهم في مناسبات الإِبطال كلها؛ إذ ابتدئ بإبطاله على الإِجمال عقب الآيات الثلاث من أولها بقوله: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} [غافر: 4] ثم بإبطاله بقوله {الذين يجادلون في ءايات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله} [غافر: 35]، ثم بقوله: {إنَّ الذين يُجادلُون في ءايات الله بِغَير سُلطانٍ أتاهم إن في صُدُورهم إلاَّ كِبْرٌ} [غافر: 56] ثم بقوله: {ألَمْ تَرَ إلى الَّذِين يجادلون في آياتِ الله أنَّى يُصْرَفُون}. وذلك كله إيماء إلى أن الباعث لهم على المجادلة في آيات الله هو ما اشتمل عليه القرآن من إبطال الشرك؛ فلذلك أعقب كل طريقة من طرائق إبطال شركهم بالإِنحاء على جدالهم في آيات الله، فجملة {ألَمْ تَرَ إلى الَّذِين يجادلون في آياتِ الله} مستأنفة للتعجيب من حال انصرافهم عن التصديق بعد تلك الدلائل البيّنة. والاستفهام مستعمل في التقرير وهو منفي لفظاً، والمراد به: التقرير على الإِثبات، كما تَقدم غير مرة، منها عند قوله: {قال أو لم تؤمن} في سورة [البقرة: 260]...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.