القول في تأويل قوله تعالى : { لّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مّنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : لن تغني عن هؤلاء المنافقين يوم القيامة أموالهم ، فيفتدوا بها من عذاب الله المهين لهم ولا أولادهم ، فينصرونهم ويستنقذونهم من الله إذا عاقبهم أُولَئِكَ أصحَابُ النّارِ يقول : هؤلاء الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ، وهم المنافقون أصحاب النار ، يعني أهلها الذين هم فيها خالدون ، يقول : هم في النار ماكثون إلى غير نهاية .
مناسب لقوله : { اتخذوا أيمانهم جنة } [ المجادلة : 16 ] فكما لم تَقِهم أيمانهم العذابَ لم تُغن عنهم أموالهم ولا أنصارهم شيئاً يوم القيامة .
وكان المنافقون من أهل الثراء بالمدينة ، وكان ثراؤهم من أسباب إعراضهم عن قبول الإِسلام لأنهم كانوا أهل سيادة فلم يرضوا أن يصيروا في طبقة عموم الناس . وكان عبد الله بنُ أُبيّ ابن سلول مهيّأً لأن يملكوه على المدينة قبيل إسلام الأنصار ، فكانوا يفخرون على المسلمين بوفرة الأموال وكثرة العشائر وذلك في السنة الأولى من الهجرة ، ومن ذلك قول عبدِ الله بن أُبيّ ابن سلول « لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعزّ منها الأذل » يريد بالأعز فريقه وبالأذل فريق المسلمين فآذنهم الله بأن أموالهم وأولادهم لا تغني عنهم مما توعدهم الله به من المذلة في الدنيا والعذاب في الآخرة قال تعالى : { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً } [ الأحزاب : 60 ، 61 ] . وإذا لم تغن عنهم من الله في الدنيا فإنها أجدر بأن لا تغني عنهم من عذاب الآخرة شيئاً ، أي شيئاً قليلاً من الإِغناء .
وعن مقاتل : أنهم قالوا : إن محمداً يزعم أنه ينصر يوم القيامة لقد شقينا إذن . فوالله لنُنْصَرَنّ يوم القيامة بأنفسنا وأولادنا وأموالنا إن كانت قيامة . فنزلت هذه الآية .
وإقحام حرف النفي في المعطوف على المنفي لتوكيد انتفاء الإِغناء .
ومعنى { من الله } من بأس الله أو من عذابه . وحذفُ مثل هذا كثير في الكلام . وتقديره ظاهر . ويلقب هذا الاستعمال عند علماء أصول الفقه بإضافة الحكم إلى الأعيان على إرادة أشهر أحوالها نحو { حرمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] ، أي أكلها .
وجملة { لن تغني عنهم أموالهم } الخ خبر ثالث أو ثان عن ( إنّ ) في قوله تعالى : { إنهم ساء ما كانوا يعملون } [ المجادلة : 15 ] .
وجملة { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } في موضع العلة لِجملة { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً } ، أي لأنهم أصحاب النار ، أي حق عليهم أنهم أصحاب النار . وصاحب الشيء ملازمه فلا يفارقه . إذ قد تقرر من قوله : { أعد الله لهم عذاباً شديداً } [ المجادلة : 15 ] ومن قوله : { فلهم عذاب مهين } [ المجادلة : 16 ] أنهم لا محيص لهم عن النار ، فكيف تغني عنهم أموالهم وأولادهم شيئاً من عذاب النار . وهذا كقوله تعالى : { أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار } [ الزمر : 19 ] أي ما أنت تنقذه من النار . فإن اسم الإِشارة في مثل هذا الموقع ينبه على أن المشار إليه صار جديراً بما يرد بعد اسم الإِشارة من أجل الأخبار التي أخبر بها عنه قبل اسم الإِشارة كما تقدم في قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم } في سورة [ البقرة : 5 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.