وقوله : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } أي : يواظبون عليها في مواقيتها ، كما قال ابن مسعود : سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أيّ العمل أحب إلى الله ؟ قال : " الصلاة على وقتها " . قلت : ثم أيّ ؟ قال : " بِرُّ الوالدين " . قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " .
أخرجاه في الصحيحين{[20473]} . وفي مستدرك الحاكم قال : " الصلاة في أول وقتها " {[20474]} .
وقال ابن مسعود ، ومسروق في قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } يعني : مواقيت الصلاة . وكذا قال أبو الضُّحَى ، وعلقمة بن قيس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة .
وقال قتادة : على مواقيتها وركوعها وسجودها .
وقد افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة ، واختتمها بالصلاة ، فدل على أفضليتها ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن " {[20475]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"وَالّذِينَ هُمْ عَلى صَلَوَاتِهمْ يُحافِظُونَ" يقول: والذين هم على أوقات صلاتهم يحافظون، فلا يضيعونها ولا يشتغلون عنها حتى تفوتهم، ولكنهم يراعونها حتى يؤدّوها فيها...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: على صلواتهم دائمون...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
تكون المحافظة على الصلاة بوجوه:
أحدها: يحافظون عليها بأركانها وفرائضها ولوازمها و آدابها.
والثاني: يحافظون عليها بأسبابها التي جعلت لها من الأوقات والطهارات وستر العورات وغيرها من الأسباب التي لا تقوم الصلاة إلا بها.
والثالث: يحافظون عليها بالخشوع والوقار وإظهار الذل وغير ذلك من الأشياء مما ندب المصلي إليه.
وعلى ذلك جميع ما ذكر من الأمانات وغيرها، والله أعلم.
المحافظة عليها: مراعاتها للتأدية في وقتها على استكمال شرائطها، وجميع المعاني التي تأوّل عليها السلف المحافظة هي مرادة بالآية، وأعاد ذكر الصلاة لأنه مأمور بالمحافظة عليها كما هو مأمور بالخشوع فيها.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي لا يضيعونها. ويواظبون على أدائها.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لا تصادفهم الأوقات وهم غير مستعدين، ولا يدْعُوهم المُنَادِي وهم ليسوا بالباب.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: كيف كرّر ذكر الصلاة أوّلاً وآخراً؟ قلت: هما ذكران مختلفان فليس بتكرير؛ وصفوا أَوّلاً بالخشوع في صلاتهم، وآخراً بالمحافظة عليها. وذلك أن لا يسهوا عنها، ويؤدّوها في أوقاتها، ويقيموا أركانها، ويوكلوا نفوسهم بالاهتمام بها وبما ينبغي أن تتمّ به أوصافها. وأيضاً فقد وحدت أولاً ليفاد الخشوع في جنس الصلاة أي صلاة كانت، وجمعت آخراً لتفاد المحافظة على أعدادها: وهي الصلوات الخمس، والوتر، والسنن المرتبة مع كل صلاة، وصلاة الجمعة، والعيدين، والجنازة، والاستسقاء، والكسوف والخسوف، وصلاة الضحى، والتهجد... وصلاة الحاجة، وغيرها من النوافل.
المراد بالمحافظة: التعهد لشروطها من وقت وطهارة وغيرهما والقيام على أركانها وإتمامها حتى يكون ذلك دأبه في كل وقت.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
وفي تصدير الأوصاف وختمها بأمر الصلاة تعظيم لشأنها.
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
وإضافة الصلاة في الموضعين إليهم دلالة على ثبوت فعلهم لها.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
والخشوع والمحافظة متغايران، بدأ أولاً بالخشوع وهو الجامع للمراقبة القلبية والتذلل بالأفعال البدنية، وثنى بالمحافظة وهي تأديتها في وقتها بشروطها من طهارة المصلي وملبوسه ومكانه وأداء أركانها على أحسن هيئاتها ويكون ذلك دأبه في كل وقت.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت الصلاة أجلّ ما عهد فيه من أمر الدين وآكد، وهي من الأمور الخفية التي وقع الائتمان عليها، لما خفف الله فيها على هذه الأمة بإيساع زمانها ومكانها، قال: {والذين هم على صلواتهم} التي وصفوا بالخشوع فيها {يحافظون} أي يجددون تعهدها بغاية جدهم، لا يتركون شيئاً من مفروضاتها ولا مسنوناتها، ويجتهدون في كمالاتها... ولا يخفى ما في افتتاح هذه الأوصاف واختتامها بالصلاة من التعظيم لها، كما قال صلى الله عليه وسلم:"واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة".
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
فمدحهم بالخشوع بالصلاة، وبالمحافظة عليها، لأنه لا يتم أمرهم إلا بالأمرين، فمن يداوم على الصلاة من غير خشوع، أو على الخشوع من دون محافظة عليها، فإنه مذموم ناقص.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فلا يفوتونها كسلا، ولا يضيعونها إهمالا؛ ولا يقصرون في إقامتها كما ينبغي أن تقام؛ إنما يؤدونها في أوقاتها كاملة الفرائض والسنن، مستوفية الأركان والآداب، حية يستغرق فيها القلب، وينفعل بها الوجدان. والصلاة صلة ما بين القلب والرب، فالذي لا يحافظ عليها لا ينتظر أن يحافظ على صلة ما بينه وبين الناس محافظة حقيقية مبعثها صدق الضمير.. ولقد بدأت صفات المؤمنين بالصلاة وختمت بالصلاة للدلالة على عظيم مكانتها في بناء الإيمان، بوصفها أكمل صورة من صور العبادة والتوجه إلى الله.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وقد جمعت هذه الآيات أصول التقوى الشرعية لأنها أتت على أعسر ما تُراض له النفس من أعمال القلب والجوارح...
ومما ذكرت المحافظة على الصلوات وهو التخلق بالعناية بالوقوف عند الحدود والمواقيت وذلك يجعل انتظام أمر الحياتين ملكة وخلقاً راسخاً...
وأنت إذا تأملت هذه الخصال وجدتها ترجع إلى حفظ ما من شأن النفوس إهماله مثل الصلاة والخشوع وترك اللغو وحفظ الفرج وحفظ العهد، وإلى بذل ما من شأن النفوس إمساكه مثل الصدقة وأداء الأمانة.
فكان في مجموع ذلك أعمال ملكتي الفعلِ والترك في المهمات، وهما منبع الأخلاق الفاضلة لمن تتبعها.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وإن المداومة على الصلاة في أوقاتها مع إقامتها مصحوبة بذكر الله واستحضاره في قراءتها وقيامها وركوعها وسجودها، وامتلاء النفس بالخشية تكون مذهبة لصدأ النفوس، يبتدئ يومه بصلاة الصبح، ليقبل على اليوم طاهر النفس خاشعا من خشية الله، حتى إذا ابتدأ الصدأ يعلوها بمعالجة الحياة وأعمالها جاءت صلاة الظهر، ثم صلاة العصر، ثم صلاتا العشي، المغرب والعشاء، ثم ينام طاهرا مطهرا، كما ابتدأ طاهرا، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها تجعل المؤمن في خشية دائمة، وهو مشفق منه سبحانه...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
ووصف كتاب الله العلامة السادسة التي تميز المؤمنين المفلحين، فقال تعالى: {والذين هم على صلواتهم يحافظون} إشارة إلى أنهم يعتبرون الصلاة عماد الدين، والصلة الوحيدة التي لا ينبغي أن تقطع بينهم وبين الله أبدا، فهم لا يقيمون الصلاة حينا ويهملونها أحيانا، وهم لا تصادفهم أوقات الصلاة في غفلة وعلى غير استعداد، بل لا يتصورون ثبوت حقيقة التدين والإيمان إلا بملازمة الصلوات الخمس في أوقاتها، والتزام القيام بها عن شوق وطواعية ورضا، كيفما كانت الظروف والأحوال، وإن كانت كيفية أدائها تختلف في حالة المرض عن حالة الصحة، وفي حالة السفر عن حالة الإقامة، تخفيفا من الله ورحمة، وإن كان تأخيرها عن وقتها لعذر شرعي طارئ، أمرا لا مؤاخذة فيه ولا لوم. ولأمر ما أبرز كتاب الله في هذا السياق أثر الصلاة في حياة المؤمنين المفلحين مرتين، فجعل الخشوع فيها صفتهم الأولى في البداية، وجعل المحافظة عليها دون انقطاع، صفتهم الأخيرة في النهاية، مما يدل على أن بقية الصفات الأخرى لا توتي أكلها ولا تتحقق على الوجه الأكمل إلا إذا كانت الصلاة لها بدءا وختاما، قال عليه الصلاة والسلام:"استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة" الحديث...
وقد سلك كتاب الله في آيات المعارج نفس المسلك الذي سلكه في العشر الأول من سورة المؤمنين، فكان ذكر الصلاة فيها هو البداية، وكان ذكر الصلاة فيها هو النهاية...
في الآيات السابقة تحدث عن الصلاة من حيث هيئة الخشوع والخضوع فيها، وهنا يذكر الصلاة من حيث أداؤها والحفاظ عليها، لأن الحفظ يعني أن تأخذ كل وقت من أوقات الصلاة بميلاده وميلاد الأوقات بالأذان، لكن البعض يقولون: إن الوقت ممتد، فالظهر مثلا ممتد من أذان الظهر إلى قبل أذان العصر، وهكذا في باقي الصلوات. نقول: نعم هذا صحيح والوقت ممتد، لكن من يضمن لك الحياة إلى آخر الوقت؟ من يضمن لك أن تصلي العشاء مثلا قبل أذان الفجر؟ نعم، تظل غير آثم إلى آخر لحظة إذا تمكنت من الصلاة وصليت، لكن هل تضمن هذا؟
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وممّا يلفت النظر أنّ أوّل صفة للمؤمنين كانت الخشوع في الصلاة، وآخرها المحافظة عليها، بدأت بالصلاة وانتهت به. لماذا؟ لأنّ الصلاة أهمّ رابطة بين الخالق والمخلوق، وأغنى مدرسة للتربية الإنسانية. الصلاة وسيلة ليقظة الإنسان وخير وقاية من الذنوب. والخلاصة، إنّ الصلاة إن أقيمت على وفق آدابها اللازمة، أصبحت أرضية أمينة لأعمال الخير جميعاً...