وقوله : { إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } أي : لا يقوم بحق الله عليه من طاعته وعبادته ، ولا ينفع خلقه ويؤدي حقهم ؛ فإن لله على العباد أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا ، وللعباد بعضهم على بعض حقّ الإحسان والمعاونة على البر والتقوى ؛ ولهذا أمر الله بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الصلاة ، وما ملكت أيمانكم " {[29301]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إنه كان لا يؤمن بالله} لا يصدق بالله. {العظيم} بأنه واحد لا شريك له.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول: افعلوا ذلك به جزاء له على كفره بالله في الدنيا، إنه كان لا يصدّق بوحدانية الله العظيم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ففيه بيان السبب الذي لأجله استوجبوا هذا العقاب، وهم أنهم كانوا لا يؤمنون بالله العظيم.
ثم قوله تعالى: {لا يؤمن بالله} جائز أن يكون لا يؤمن بوحدانيته، أو لا يؤمن بإرسال الرسل، أو كان لا يؤمن بالبعث. وإلا فهم لا يؤمنون بالله، ولكن من لم يكن مؤمنا بالرسل والبعث فهو غير مؤمن في الحقيقة، لأن الإله الحق هو الذي أرسل الرسل، ويقدر على البعث، والكافر لا يثبت له قدرة البعث، ولا يراه أرسل الرسل، فصار لا يؤمن بالله العظيم في الحقيقة.
واعلم أنه تعالى لما شرح هذا العذاب الشديد ذكر سببه فقال: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم} إشارة إلى فساد حال القوة العاقلة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر على الإجمال عقابه أتبعه أسبابه، فقال بادئاً بأعظمها مؤكداً لأن كل كافر حتى المعطل يقر بالله تعالى نوع إقرار ويدعي الإيمان به نوع ادعاء، لأنه لا يقدر على غير ذلك لما له سبحانه من غلبة الظهور وانتشار الضياء والنور: {إنه كان} أي جبلة وطبعاً وإن أظهر شيئاً يلبس به على الضعفاء ويدلس على الأغنياء {لا يؤمن} أي الآن ولا في مستقبل الزمان {بالله} أي الملك الأعلى الذي يعلم السر وأخفى.
ولما كانت عظمة الملك موجبة لزيادة النكال لمن يعانده على قدر علوها، وكان الذي أورث هذا الشقي هذا الخزي هو تعظمه على أمر الله وعباده، أشار إلى أنه لا يستحق العظمة غيره سبحانه فقال: {العظيم} أي الكامل العظم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فإذا انتهى الأمر، نشرت أسبابه على الحشود: (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم. ولا يحض على طعام المسكين).. إنه قد خلا قلبه من الإيمان بالله، والرحمة بالعباد. فلم يعد هذا القلب يصلح إلا لهذه النار وذلك العذاب. خلا قلبه من الإيمان بالله فهو موات، وهو خرب، وهو بور. وهو خلو من النور. وهو مسخ من الكائنات لا يساوي الحيوان بل لا يساوي الجماد. فكل شيء مؤمن، يسبح بحمد ربه، موصول بمصدر وجوده. أما هو فمقطوع من الله. مقطوع من الوجود المؤمن بالله. وخلا قلبه من الرحمة بالعباد. والمسكين هو أحوج العباد إلى الرحمة ولكن هذا لم يستشعر قلبه ما يدعو إلى الاحتفال بأمر المسكين. ولم يحض على طعامه وهي خطوة وراء إطعامه. توحي بأن هناك واجبا اجتماعيا يتحاض عليه المؤمنون. وهو وثيق الصلة بالإيمان. يليه في النص ويليه في الميزان!
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
ووضح كتاب الله أن عقاب الله لأصحاب الشمال إنما هو عقاب عادل، لا غبار عليه، {ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف: 49)، فقد كانوا فرادى وجماعات ينكرون حقيقة الحقائق، وهي الإيمان بالله، وكانوا ينكرون كل ما لله من صفات العظمة والكمال، ومظاهر الجلال والجمال، وكانوا حجر عثرة في طريق انتشار دعوته، وتبليغ رسالته، وحربا على كتبه المنزلة وشريعته، وكانوا عنصر فساد وتخريب في الأرض، لا يؤدون لعيال الله وعبيده أي حق، ولا يقدمون إليهم أي عون مما آتاهم من الرزق، وإلى "حيثيات هذا الحكم الإلهي العادل"، الذي صدر بعقاب أصحاب الشمال يشير قوله تعالى هنا: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم 33ولا يحض على طعام المسكين34}.
وإلا فالذي يستحضر عظمة ربه وكبريائه لا بد له أن يتواضع وأن يتضاءل أمام كبريائه تعالى، وأن يستحي أن يتكبر على خلقه.
فلو كان يستحضر عظمة ربه لآمن وصدق بوحدانية الله واستحقاقه وحده للعبودية واتباع منهجه.
ومشكلة هذا الذي لا يؤمن بالله العظيم ولا تشعر من حياته أنه يقر بوجود الله وإن أسلم فتجده دائما حيث لا يرضى الله، وهو كما يشعر ولا يستحضر عظمة الله.
فهو أيضا لا يحس ولا يشعر بالمساكين والفقراء من حوله، فهو كما أنه لا يستحضر الخالق العظيم لا يستحضر وجود فقراء محتاجين ومعوزين.