فالرجوم في الدنيا وعذاب السعير في الآخرة لأولئك الشياطين . ولعل مناسبة ذكر هذا ، الذي أعده الله للشياطين في الدنيا والآخرة هي ذكر السماء أولا ، ثم يجيء بعد من ذكر الذين كفروا . والعلاقة بين الشياطين والذين كفروا علاقة ملحوظة . فلما ذكر مصابيح السماء ذكر اتخاذها رجوما للشياطين . ولما ذكر ما أعد للشياطين من عذاب السعير ذكر بعده ما أعده للذين كفروا من أتباع هؤلاء الشياطين :
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلِلّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ } .
يقول تعالى ذكره : وَللّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ الذي خلقهم في الدنيا ، عَذَابُ جَهَنّمَ في الاَخرة ، وَبِئْسَ المَصِيرُ يقول : وبئس المصير عذاب جهنم .
وقرأ جمهور الناس : «وللذين كفروا بربهم عذابُ جهنم » بالرفع على الابتداء والخبر في المجرور المتقدم ، وقرأ الحسن في رواية هارون عنه : «عذابَ » بالنصب على معنى «وأعتدنا للذين كفروا عذابَ جهنم » ، قالوا : وعاطفة فعل على فعل ، وتضمنت هذه الآية ، أن عذاب جهنم للكافرين المخلدين ، وقد جاء في الأثر أنه يمر على جهنم زمن تخفق أبوابها قد أخلتها الشفاعة ، فالذي قال في هذا إن { جهنم } اسم تختص به الطبقة العليا من النار ثم قد تسمى الطبقات كلها جهنم باسم بعضها ، وهكذا كما يقال النجم للثريا ، ثم يقال ذلك للكواكب اسم جنس ، فالذي في هذه الآية هي جهنم بأسرها ، أي جميع الطبقات ، والتي في الأثر هي الطبقة العليا ، لأنها مقر العصاة .
هذا تتميم لئلا يتوهم أن العذاب أُعد للشياطين خاصة ، والمعنى : ولجميع الذين كفروا بالله عذاب جهنم فالمراد عامة المشركين ولأجل ما في الجملة من زيادة الفائدة غايرت الجملةَ التي قبلها فلذلك عطفت عليها .
وتقديم المجرور للاهتمام بتعلقه بالمسند إليه والمبادرة به .
وجملة { وبئس المصير } حال أو معترضة لإِنشاء الذم وحذف المخصوص بالذم لدلالة ما قبل { بئس } عليه . والتقدير : وبئس المصير عذابُ جهنم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وللذين كفروا بربهم} وأعتدنا للذين كفروا بتوحيد الله، لهم في الآخرة {عذاب جهنم وبئس المصير} حيث يصيرون إليها...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَللّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ" الذي خلقهم في الدنيا، "عَذَابُ جَهَنّمَ" في الآخرة، "وَبِئْسَ المَصِيرُ" يقول: وبئس المصير عذاب جهنم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فالمصير هو الطريق، أي فبئس الطريق طريق من سلكه أفضى به إلى عذاب السعير...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
إنما سمى جهنم جهنما لبعد قعرها، تقول العرب: ركية جهنام أي: بعيدة القعر.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ} أي: ولكل من كفر بالله من الشياطين وغيرهم {عَذَابُ جَهَنَّمَ} ليس الشياطين المرجومين مخصوصين بذلك.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أخبر سبحانه عن تهيئته العذاب لهم بالخصوص، أخبر أيضاً عن تهيئته لكل عامل بأعمالهم على وجه اندرجوا هم فيه، فقال حاثاً على التفكر في عظيم انتقامه الخارج عن العادة في عدم الانطفاء، لكونه ليس بسيف ولا عصا، ولا بسوط ونحوه، بل النار الخارجة عن العادة في عدم الانطفاء. ولا للمعذب من الخلاص منها مسلك ولا رجاء بل كلما طال الزمان تلقته بالشدة والامتداد. بئس الجامعة للمذام في كل انتقام مع الإهانة والاحتقار {وللذين كفروا} أي أوقعوا التغطية لما من حقه أن يظهر ويشهر من الإذعان للإله، فقال صارفاً القول عن مقام العظمة إلى صفة الإحسان الخاصة بالتربية، تنبيهاً على ما في إنكاره من عظيم الكفران: {بربهم} أي الذي تفرد بإيجادهم والإحسان إليهم، فأنكروا إيجاده لهم بعد الموت، وذلك كفراً منهم بما شاهدوا من اختراعه لهم من العدم. {عذاب جهنم} أي الدركة النارية التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة والغضب. ولما كان التقدير: هي مصيرهم، قال دالاً على عدم خلاصهم منها أصلاً أزلاً وأبداً: {وبئس المصير} أي هي...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والعلاقة بين الشياطين والذين كفروا علاقة ملحوظة. فلما ذكر مصابيح السماء، ذكر اتخاذها رجوما للشياطين. ولما ذكر ما أعد للشياطين من عذاب السعير، ذكر بعده ما أعده للذين كفروا من أتباع هؤلاء الشياطين: (وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير)...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.